لما كان في ذي القعدة من هذه السنة انتهت حركة هذه الحرب بظفر الأحلاف والعرب وهزيمة الأتراك، فأخرجوا من الجزيرة ووضعت الحرب أوزارها ودخل الشريف فيصل بن الحسين دمشق مع جيش الحلفاء في ٢٤ ذي الحجة، فأقيمت المهرجانات ومعالم المسرات لقدومه، وتوافدت العرب إلى شطر المسجد الحرام قادمة من سائر الجهات لشد أزر الحسين بن علي ومعاونته على نهضته شامًا وعراقًا ومن مصر وطرابلس وفرنسا وإيطاليا، وقد كان للحسين منهم أكبر مصلحة ولكنه ويا للأسف لسوء حظه وقبح تصرفه اختلف معهم، وما كان ليرى إلى نصح ناصح ولا إلى إرشاد مرشدًا، فارتحل أولئك المخلصون عنه ولم تف له الإنكليز بوعودها لسوء معاملته.
ولما أن استقر فيصل بن الحسين ملكًا في سوريا وهدأت الخواطر، بدأت الأمة السورية تفكر في مصلحة وطنها وبلادها، وذلك لا يكون إلا بالاستقلال التام والحرية المطلقة، فبدأت تعمل لذلك وعلى رأسها الأمير فيصل يطرقون الأبواب ويواصلون السعي مع الساسة من رجال الحلفاء، فتكاثرت الأحزاب وتخالفت الآراء، حزب يطلب الاستقلال تحت الحماية وحزب يطلب الاستقلال الناجز بدون شرط ولا قيد، وحزب يطلب احتلال فرنسا لسوريا، فبقيت سوريا هائجة مضطربة، ولما رأى بعض الأحزاب تلاعب السياسة الفرنسية أعلنت تتويج فيصل ملكًا دستوريًا في السنة التي بعدها بسنتين، فحصل بذلك ما سنذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى.
أما جلالة الملك حسين الشريف فقد كان مغرورًا جدًا بما لديه من وعود الحلفاء التي ظنها مواثيق لا تقبل نقضًا وأن إشارة منه واحدة تطير في الهواء كل من يقف في سبيل غاياته إذ كان يعتقد أن إنكلترا حليفته وبكل حال فإن الحسين بن علي تعدى طوره وأغضب أيضًا الإنكليز.