لما تأَزمت الأمور بين اليهود وأهالي فلسطين وأصبحت الأمور تزداد تعقيدًا يومًا فيومًا سعت أمريكا لوضح صلح يكفل للطرفين حقن الدماء، وافي السبل، ذلك بأن الانتفاضة الفلسطينية التي شرعها ياسر عرفات لم تسفر عن نتيجة تذكر بل ضاعفت هجرة اليهود إلى فلسطين وبناء مستوطنات لهم فيها، وأصبح الفلسطينيون بحالة يرثى لها لأنهم يقاتلون بالحجارة والزجاجات الحارقة، فتقابلهم اليهود بالأسلحة النارية وكثرت الضحايا من أهالي فلسطين وتدمير مساكنهم، وإغلاق أسواقهم، وتعطيل مصالحهم، وانتشر البلاء إلى جنوب لبنان، وعجزت الأمة عن وضع حد لهذه الفوضى ووقف تلك الأعمال الوحشية، ولم يكن بوسع أمريكا أن تحمل إسرائيل على اضطهادها ومنعها عن إدانة العرب، لأنها حليفتها وصديقتها الخاصة، فإنها جعلت تبعث رسلها ووزرائها إلى إسرائيل تشير عليها بوضع صلح مع العرب، وبما أن إسرائيل واليهود على الصحيح لم تكن خائفة من العرب فإنها ظهرت في مظهر القوي المسلط المتغلب لأن ظهرها أمريكا الواثقة منها، فكان وزير خارجية أمريكا يتردد لوضع الصلح إرضاء للعرب، ولقد قام الرئيس حسني مبارك والرئيس السوري حافظ الأسد والملك فهد بن عبد العزيز بكل ما أوتوا في هذه المرة أن يضعوا حدًا لتلك الأعمال التي تقوم بها إسرائيل، ورجوا أن يوضع عقد سلام بين الفريقين، وأن تحمل أمريكا إسرائيل على وضع صلح يكفل الأمن ويحقن الدماء، فلقد طالما انتشرت الفوضى وعذب الفلسطينيون وانتهبت أموالهم وديارهم، وقد قامت الرسل تتردد إلى القاهرة وإلى دمشق والرياض، وأمريكا وإسرائيل، وكان العرب يأسوا من إسرائيل أن تجاوب ولا سيما فيما تقوم به من هجمات ضد جنوب لبنان، وما حصل من غاراتها على المخيمات والمساكن هناك، وآخر شيء قيامها بتحليق طائراتها فوق عاصمة لبنان بوقت كانت الأمة تسعى فيه للصلح بين صدام حسين والعرب، كان هذا الرجل لا يزال يعمل وجنوده في بطن الأرض ومصانع السلاح النووي والكيماوي، ولديه خيانة ومكر، ولما أن أجري معه إلزام أن يبرز ما لديه من السلاح كان يكفه ويعده ليومه المعلوم