وزهده ويحجم كثيرًا عن الفتوى ولا يتجرأ عليها لورعه مع عذل مشائخه له في الأحجام لأنَّه في درجة الفتيا والقضاء ويؤم في المسجد الجامع بالنيابة عن الشيخ عبد الله بن محمد بن سليم ويستخلفه الشيخ عمر لذلك وكان ملازمًا للاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان وإذا أخذ في الخطبة أو القراءة فإنَّه يبكي ويُبكي من حوله وبكل حال فإنَّه من قوم كانوا فبانوا وختم به الزهاد وقلَّ أمثاله في العباد وأحبه الخاص والعام وقبله جميع أهل الإسلام فكان يتمتع بعقل وسمت عظيم. فأشهد بالله ما رأيت له عدوًا وذلك بأنَّه لم يؤذ أحدًا ولم يرزأ مسلمًا ولم يعب صاحبًا ولم يتكبر على أحد وربما ضمني وإياه مجلس فكان يقدمني ويحترمني كأستاذٍ له مع صغر سني فكنت بالنسبة إليه كحفيد له فسبحان من منَّ عليه بفضله {وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} وقد توفي بكره صالح في ريعان الشباب وأعاضه الله بآخرين.
[ذكر أخلاقه الزاهرة وصفاته الباهرة]
رحمة الله عليك يا أبا صالح كنت مؤمنًا تقيًّا ووليًا لله زكيًّا متواضعًا لإِخوانك مرضيًا لأهل زمانك لا فظًا غليظًا ولا مازحًا ولا متهكمًا لا تغضب ولا تحرج ولا تحقد بل كنت حسن السريرة صبورًا على الفقر شكورًا لله في السراء تحب أهل الدين وتميل إليهم وتبغض في الله أهل معصيته وتشرف بك المجالس ويحبك القريب والبعيد ولا يملّك الجليس.
كان المترجم رحمة الله عليه حليمًا وقورًا إذا رأيته ذكرت الرسول عليه الصلاة والسلام وذكرت الصحابة والتابعين لهم بإحسان وذكرت السلف الصالح ورق قلبك لرؤيته وكان نظيفًا حبيبًا كريمًا لينًا سمحًا طلق المحيا مربوع القامة يميل إلى الطول أبيض أزهر له لحية كثة جميلًا محبوبًا كأنَّ الشمس تشرق من وجهه يتعفف في لباسه ويحب البياض من الثياب