أيضًا ستة وعشرون اسطوانة في حصاوي المسجد الحرام صنعت بالأسمنت المسلح على قاعدة لطيفة، وعملت على شكل شجرة لطيفة ذات أربعة أغصان، وطول الاسطوانة قدر ثلاثة أمتار، وعلق على كل غصن من الأغصان الأربعة المتفرعة من كل اسطوانة مصباح كهربائي، فصارت تلك الأساطين حال إضاءتها بالكهرباء شبه الثريا، فجاءت على أحسن وضع، واستغنى بذلك عن استعمال اللوكسات.
[ثم دخلت سنة ١٣٥٠ هـ]
استهلت هذه السنة والشيخ عمر بن محمد بن سليم قدس الله روحه ونور مرقده وضريحه لا يزال في جدّ ونشاط في التدريس بالمسجد المعروف في بريدة "بمسجد ناصر" فكانت أوقاته عامرة بالذكر والحلق، مترادفة في التعلم غدوة وصباحًا وظهرًا ومساءً ومغربًا وعتمة، وذلك في الحديث والفقه والتوحيد والتاريخ، والنحو والفرائض وحساباتها، كما أن الشيخ العالم عبد العزيز بن إبراهيم العبادي لا تزال مجالسه عامرة، وطلاب العلم يزدحمون بركبهم لاستفراغ منطوقه، ويردون على تلك الموارد التي تروي من الصدى، وكنت إذ ذاك أتردد بينهما، أتعلم ولا أنسى لهما الفضل علي بصفتهما يعلمان بدون مقرر لروايتهما.
فأما شيخنا عمر فإنه قليل التفسير، كثير البركة في التعليم، ولا أنسى هيبته في التعليم فأكثر ولا حرج.
أما الشيخ عبد العزيز: فإنه لا يكاد يمر به لفظه إلا يقف يفسرها، وكان ضرير البصر لذلك يكب على تعليمه عامة الناس.
هذا وقد كان القاضي في بريدة فضيلة الشيخ عبد الله بن محمد بن سليم، ولكنه كثير التأثر بالمرض، فيستخلف أخاه الشيخ عمر ويستنيبه، ولما أن كان الشيخ عبد الله لا يسأم التدريس ولا يمله، آنس من نفسه نشاطًا وصحةً في شعبان من هذه السنة فجلس للتدريس واستبشر الناس بذلك، ثم اغتنم تلك الفرصة شيخنا عمر فسافر إلى مكة المشرفة للعمرة في رمضان، واستقل سيارتين يصحبه أناس من الإخوان طلاب العلم، ولقد شيعه الأهالي من سائر القصيم وودعوه وداعًا حارًا.