أحلك مولاك الجليل محله ... لفصل القضاء إن هم إليك تنازعوا
وقال الإمام أحمد بن علي بن مشرف في فضل العلم والعلماء:
فجالس رواة العلم واسمع كلامهم ... فكم كلم منهم به يبرأ الكلم
كان أمروا فاسمع لهم وأطع فهم ... أولو الأمر لا من شأنه الفتك والظلم
هذا وإن المترجم قد منح تمام التنفيذ، غير أن الأمور التي قد كتبت على العبد لا بد أن تصيبه.
[الباب العاشر: في مرضه ووفاته وما رثي به]
قد أشرنا إلى أنه ابتدأ مرضه في مستهل هذه السنة، وسبب هذا المرض ما يتردد في جأشه من الأشجان، وكان لا يحب الانتقام لنفسه، فضعف لذلك جسمه وتكسف باله لما يقاسيه من الهموم والغموم، ونكد الزمان، وكثرة الفتن والمحن، وكان لا يشتكي إلى على ربه وفاطره وكفى بالله وليًا وكفى بالله نصيرًا، فتهدم لذلك جسمه وانحلت قواه، وقد أشار عليه بعض أحبابه أن يتخلى عن بعض الإرهاقات ككثرة التدريس وأن يتخلى عن القضاء ويستريح بقية عمره فرفض فأشاروا عليه بأن يذهب للعلاج قبل أن يجيده المرض ويقضي عليه فرفض، وقد رأيته لآخر مرة وهو جالس مستقبل القبلة مصفر اللون نحيف البدن عليه ثياب نظيفة فسألته عن صحته فذكر في أنه بحاجة إلى العافية ويسأل الله كشف ضره، وكان فد أثر المرض في صوته فسألت الله له أمامه أن يكفيه ما أهمه، فبكى لذلك رحمه الله تعالى وبكيت أمامه وسألت الله له أخرى أن لا يريه ما يكره، فجعل يرفع يديه ويؤمن على دعائي، وكان يوضع له قليل من العسل فيتحساه إذا عجز ريقه أن يستطلق، وقد خرج لصلاة عيد الفطر راكبًا لعجزه عن المشي، واستمر في ضعفه.
[ذكر المنامات والمرائي]
رأى بعضهم في منامه الشمس قد طلعت، فلما توسطت السماء انكسفت وأظلم الكون، وذلك قبيل وفاته بشهر، ورأى بعضهم قمرًا مبدرًا طلع من الشرق