فلما توسط السماء غاب عن الأبصار فطلع من خلفه نجم، قال الرائي فحمدت الله وأنا نائم اذ طلع هذا الكوكب ولم نعدم الإضاءة قطعًا، ورأى بعضهم كأن باب بيته نزع وجعل مكانه بويب صغير قدره ذراع بذراع، فلما كان في ليلة هلال الحجة رأى هو إنسانًا أتاه في منامه فناوله ستة عشر كأسًا وقال له: هذه وتستريح فلما استيقظ ذكر الله واستعاذ به من الشيطان وقال لمن حوله من أهله هكذا رأيت فأحصوا هذه الأيام.
وكان يستصحب حقًا فيه عسل ويستعين بذلك على ريقه لمرارة ويبوسة، قال بعضهم دخلت عليه وقد تضاعفت بنيته وكلت قواه وذلك قبل وفاته بيوم وهو يتلمظ شفتيه بلسان ويقول: إيهًا الحمد لله حسبنا الله ونعم الوكيل على من آذانا، ولم يصل منا إلا الخير، وهذا والله منظر مزعج، فيا ليت شعري ماذا يصنع الأحباب ومن يتولى غرسه بعد الذهاب، ومن يطيق ألم الفراق، وهذا شيخ المسلمين في كرب السياق، فلما أصبح تنظف ولبس ثيابًا جددًا وذلك بكرة الاثنين الموافق ١٦ ذي الحجة، وجعل يقول وهو على تلك الصفة: هل أذن المؤذن ما باله أبطأ، ويتقلب ثم يقول أقرأ سم بالله كأنه جالس للتدريس في الحلقة ثم يغشى عليه فإذا أفاق أخذ يتكلم بما سبق، ثم جعل يتكلم بكلمة التوحيد حتى خرجت روحه في الساعة السادسة من اليوم المذكور.
وقد بعث أمير بريدة قبل ذلك نبأ برقيًا في ١٤ من الشهر قبل وفاته بيومين لجلالة الملك يخبره بمرض الشيخ ابن سليم، وقد كان الملك لم يعلم بما آل إليه فقام من فوره وبعث بدكتور ماهر إليه يدعى عفيف المحمصاني، ركب سيارة فورد جديدة وسار مسارعًا إلى القصيم فلم يصل إلى بريدة إلا بعد وفاته بساعات، وكان قد أوصى أن يغسله تلميذه الأخ عبد المحسن بن عبيد، فغسل وكفن وصلى عليه المسلمون بعد صلاة العصر في المسجد الجامع، فامتلأ المسجد بالرجال والنساء وامتلأت الأزقة والشوارع وازدحمت رجالًا ونساءً وأطفالًا يبكون ويندبون، وعلت الأصوات بالنشيج والجشع، ولا والله لم يصابوا بمثل هذه المصيبة في أهليهم ولا