لضيق الموضع، ولأن غالبيتها لم يتزن، ومهما كانت الأحوال فإن مصيبته عظيمة وموته خطب جسيم، ولا نزيد على ذلك.
[ذكر من توفى فيها من الأعيان]
صالح بن محمد الصقعي، كان مؤدبًا للصبيان ومعلمًا للقرآن والكتابة، وهو مؤدبنا ومدرسنا، وتعلم منه خلائق كثيرون في الحساب والكتابة وفاقوا بجودة القلم وضبط القرآن وحفظه، وجعل الله في تعليمه بركة، فكل من درس عليه فإنه ينال ذكرى حسنة، ومن لم يطلب العلم منهم فلا بد أن يتفوق على بني جنسه في القراءة والكتابة، وكانت مدرسته تحتوي على أربعمائة طالب.
وصفة تدريسه أنه يكتب للأولاد حروف الهجاء في ألواح من الخشب، فإذا حذق الصبي الهجاء فإنه يعطى جزء عم فيشرع في الفاتحة، ثم الناس ثم الفلق ثم الإخلاص ويصعد كذلك، فإذا اجتمع الأولاد صباحًا فإنهم يأخذون جميعًا الدراسة، وبعد ساعتين يقرأ عليه اثنا عشر طالبًا، وكلما قرأ واحد فإنه يقيم معه خمسة يقرأون عليه، ومن قرأ فإنه يأتي إلى المؤدب فيجعل معه خمسة وهكذا حتى تتم الدراسة في حوالي أربع ساعات، فإذا كان بعد الظهر حضر الأولاد يمرون ما درسوا صباحًا ويخرجون قبيل العصر بدقائق ثم يامر من كان من الدرجة الثالثة أن يكتبوا لأهل الهجاء في ألواحهم، ويحضر كبار الطلاب بعد صلاة العصر في دكاكين في السوق لتعلم الكتابة والحساب، وقد وافق في زمنه حظًا وافرًا وقبولًا عند الناس فكان في بلدة بريدة محترمًا وموقرًا، وكان له صوت حسن ويمتاز ببره بوالدته، وقد امتد مرضه زمنًا يقرب من ثلاثة أشهر فالله المستعان.
أما والده فهو إمام مسجد عودة الرديني زمن آل رشيد، وهو محمد بن عبد العزيز بن محمد بن عبد المته الصقعبي يحسن جودة الخط، وله قلم جيد في الكتابة، وقد نسخ كتبًا كثيرة ومصاحف بيده لخلو زمنه من المطابع، وكان جهوري الصوت، حسن التلاوة، يصلي إمامًا في مسجده المشار إليه في ليالي رمضان، فيحضر للصلاة خلفه خلق كثير وجم غفير من الرجال والنساء، حتى ربما امتلأ المسجد.