ففيها جهز الإمام فيصل بن تركي ابنه عبد الله وجمع معه جيشًا عرمرمًا كثيفًا ضخمًا في العدد والعدة من نجد كلها، وأمره أن يزحف به لقتال العجمان، وذلك لأنهم طالما أكثروا الغارات وأظهروا العصيان والمحاربة للمسلمين، ونشير هنا إلى العجمان وإن كان تعريفهم يأتي بعد ذلك.
فنقول لما كان في أيام الإمام تركي بن عبد الله جعل رؤساؤهم يحضرون عنده ويتملقون له بالسنة حداد، فبذل فيهم الإحسان وجمعهم على رئيسهم فلاح بن حثلين، وأنزلهم الإمام بلاد بني خالد وأجزل لهم العطاء، فصار لهم بعد ذلك شوكة عظيمة وعظم شأنهم.
ولما تولى فيصل بن تركي عاملهم أيضًا بالإحسان غير أنه ما كان ليفيد فيهم الإحسان والرأفة، لأن اللئيم يتمرد مع الإحسان بل أبطرتهم النعمة؛ فقد رصد فلاح هذا بالعجمان لحجاج الأحساء وفارس والبحرين وغيرهم بالقرب من الدهناء فاستأصل أولئك الحجاج أخذًا وسلبًا، ومعهم أموال كثيرة، وهلك من الحاج خلق كثير عطشًا، وكان ذلك في سنة ١٢٦١ هـ، هذا وحزام بن حثلين أخو فلاح مع الحجاج.
ثم إن الله تعالى لم يمهل فلاحًا بعد هذه الفعلة الشنيعة، ولا جرم أن فرس الباغي عثور، بل عجل الله له العقوبة بعدها بسنة بأن ظفر به الإمام فيصل وقيده وأرسله إلى الأحساء مقيدًا، فطيف به في الأسواق في بلد الأحساء ثم ضربت عنقه، قفام راكان ابنه رئيسًا بعده في العجمان، وجعل يكتب إلى الإمام فيصل ويتودد ويطلب العفو، وأن يجعله عوضًا عن أبيه، وجعل يردد الرسل ويبعث الهدايا إلى الإمام من الخيل والنجائب وأكثر حتى صفح عنه الإمام، وحضر بين يديه وبايعه على السمع والطاعة.
ثم بعد ذلك عظم أمره وصار شرًا من أبيه، فأغار في هذه السنة على إبل