وذلك لأنه لما جرت تلك الصدمة من الإخوان على الكويتيين لما جاروا عليهم، زحف ابن سعود إلى الأحساء على أثرها ليكون على قرب من تلك المقاطعة، ولما أن بلغه خبر مغزى ضاري ودعيج وتذامر بيت آل رشيد مع آل صباح على عشائر، أرسل إلى فيصل الدويش يأمره بإنجاد أهل قرية، فقام الدويش على حسب تدابير صاحب الجلالة وسار في آخر السنة الماضية، ولكن دعيجًا وضاريًا اختلفا في الطريق على القيادة، فلم يهاجما أحدًا بل عادا إلى الجهراء، فتعقبهما الدويش ونزل الصبيحية، فعلم سالم بن صباح بذلك وسارع بنفسه إلى الجهراء بخمسمائة مقاتل من أهل الكويت، فزحف الدويش من الصبيحية بإخوانه وكان عددهم أربعة آلاف مقاتل فيهم خسمائة خيال وكانت هذه الحملة لا بأس بها في القوة.
أما سالم بن صباح فبلغ جيشه نحو ثلاثة آلاف مقاتل ووزع هذه القوات كلها من الرجال والخيالة في حصون الجهراء وبساتينها، فعند ذلك جاء الإخوان من الجنوب الشرقي فأشرفوا على الجهراء، وكان ذلك في ٢٦ محرم، أشرفوا من رأس منحدر لا صخرة فيه ولا شجرة، وجاءوا على عادتهم في الصباح كالسيل المنهمر إلى البساتين تحت وابل من الرصاص، فكانت بنادق المدافعين المتحصنين تحصدهم بالعشرات والمئات وهم يتقدمون مستبسلين مستشهدين، فكانت ملحمة كبرى وموتًا أحمر على جيوش ابن صباح.
ولما رأوا الأقدام والجراءة فرَّ من نجا منهم، ودخل الإخوان الجهراء واستولوا عليها وعلى حصونها، أولئك الإخوان الذين فضلهم لا ينكر وبسالتهم لا تزال على المدى تذكر، يشهد لهم التاريخ بالمقامات الدينية والمجاهدات الإسلامية، فكان الواحد منهم يلقي نفسه بجحيم الوغى ولا يحجم، ويخوض بحار الموت ولا يهاب اللقاء والموت، فتقهقر الأمير سالم بقوة جيشه إلى قصر هناك خارج البلد شرقًا منها فتعقبه الدويش وحاصره فيه يومين كانا شبه هدنة للمفاوضات.