هنا أبنًا وأصيب بالداء المعروف بأم الصبيان، وقدم إلى ربه فأجاب بأن الخيرة بما اختاره الله، وسألته عن أم الصبيان فأجاب بأنه يكثر معها صياح الطفل.
وقد رأيت لديهم في ذلك المخيم خيرًا ونعمة، ومن أبرز من وجدت رفقته عبد الله بن رشيد، وإبراهيم البليهي، ومن عادته أنه قليل الأكل فترى ما حواليه من الطعام يتساقط على الخوان ويرده بيده، ويلبث جالسًا ليتمكن الأضياف من الأكل.
وخرج مع جنازة مؤذنه محمد بن عضيب فلما دفن جعل ابنه يبكي بكاءً شديدًا في حال التعزية، فتناول يده برفق وقال له: يا بني اصبر واحتسب فقد قال الله تعالى: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ}[الأعراف: ٣٤]، فكان كلامه أعظم بها، لوقع، ثم إنه جعله مؤذنًا بعد أبيه، وكثيرًا ما يصدر أمورًا يعجب لها الناس ويرونها غير موافقة فتكون عاقبتها حميدة، وكثيرًا ما يتفرس فتقع فراسته خيرًا أو شرًا، فلقد توفى مرةً صبي فشاع بين الناس أن فلانًا مات، الرجل مغموص بالنفاق، ودعي لجنازة ذلك الرجل فقال للرسول: ليس هذا بفلان، ولا يموت فلان بين أظهر المسلمين فوقع كما أخبر كانت الجنازة صبيًا ومات فلان بين ظهراني الكفار بعد الأشاعة بشهرين، ولو تتبعت فراسته لخرجنا عن المطلوب.
[الباب التاسع: في المحن التي جرت عليه]
قال الله تعالى:{وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}[الأنبياء: ٣٥]، وقال تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (٢) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: ٢، ٣]، وقال تعالى:{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ}[محمد: ٣١]، اعلم أن الدنيا لما كانت دار ممر وليست بدار مقر وقنطرة عبور لا موضع حبور قضى الله على أهلها بالهموم والغموم والمحن والمصائب والأحزان لتزعجهم عن