للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيجد القهوة والشاي والحليب قد هيء فيجلس بهم هناك ويتناولون الشراب بغبطة وكرامة، وفي وقت الضحى إذا رجع إلى بيته للغداء فقد حدثني من يصاحبه من رفقته أنهم يجدون الأرز والخبز واللبن والبطيخ والفواكه من عنب وتمر، قد هيئ فكل من يدخل فإنه يلقى من الأطعمة شيئًا كثيرًا، وكان بيته مرادفًا للمسجد الجامع إلى جهة الشرق، فسيحًا واسع الأرجاء ينتابه القريب والبعيد ذلك لما أولاه الله من النعم الكثيرة والعقارات العظيمة، ولقد كان أقرباؤه وذوو رحمه وأنسابه لا يزالون يتقلبون في نعمه محتشمين لديه مكرمين لأنه مكرم لأقربائه وصول لرحمه، وكان من عادته دعوة أناس معينين لطعام العشاء في ليالي رمضان من دخول الشهر إلى خروجه يأكون في بيته، وله غرماء يستدينون منه، فكان يواضعهم ويلطف بهم وييسر عليهم ويتجاوز عنهم.

وكان رحيمًا بالناس يعود المرضى ويشهد الجنائز، وله رفقة يلازمونه في الغداء والعشاء، وقد يلبث أحدهم شهرين وثلاثة أشهر لا يأكل من طعام أهله لأنهم قد اكتفوا بما يجدونه بأسباب الشيخ.

ولقد حضرت معهم مرة إذ وافيته بالوادي المسمى ألودي المعروف، وقد خرج معه اثنا عشر رجلًا من الأحباب والطلاب، ولما رآني أظهر بشاشة وأخذ بيدي، وكنت لا أحب متابعته في الموائد فأجلسني إلى جانب خمسة من أصحابه، ونزل في الغدير يغتسل، وبعد فراغه أقبل إلينا ونحن في انتظاره فأمرهم أن يغتسلوا وذهب بي إلى مقر خيامهم حوالي الجبل فوقف هناك وصلى ما كتب له من النوافل، وذلك في وقت الضحى، ولما فرغنا من الصلاة طلب مني أن أكون معهم فاعتذرت بأن لي رفقة لا يزالون في انتظاري، غير أن طاعته ألزم علي فجلست معه وكنت وإياه في حديث وحسن عشرة ويقلب طرفه في السماء ويريني السحاب والرباب ويمازحني ممازحة أجد لها لذة، وما كان عليه سوى نعلين وثلاثة أثواب بيض وشماغ، فكان من كلامي له أن قلت له: يا شيخ قد توفى العبادي وأهل العلم لا يزالون ينقصون فإنا لله وإنا إليه راجعون، فأجاب بقوله: يا إبراهيم الله المستعان، وجعل يسألني عن أهل بيتنا واستقامتهم وهل لي من ذرية فذكرت له إذ ذاك أن