ثم أبحرت الباخرة "كورن فلاور" في صباح يوم الثلاثاء الموافق ٦ جمادى الثانية تقل علي بن الحسين إلى المنفى الذي اختاره لنفسه، هذه آخرة الحسين وآله من الحجاز، فسبحان من لا انقضاء لملكه ولا نهاية لأبديته.
فيا عجب لتصرم الليالي والأيام ومداولتها الملوك والحكام، تالله إنها لعبرةً لمن له أذن واعيه وآية يتفكر فيها من نفسه لله خاشية.
رجعنا إلى ذكر ابن سعود وما ألان الله له الصعوبات، ولله الحكمة البالغة والحجة الدامغة وهو أعلم حيث يجعل رسالاته إذ هو الحكيم العلم، {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ}، ولقد ظهرت محاسن نوايا ابن سعود وما تكنه نفسه الطيبة من مكارم الأخلاق ومعالي الشيم بحيث لو أتاه علي بن الحسين سامعًا مطيعًا يدين له بالإخلاص والوفاء لأقره على إمارته أو لجعله موضع الإكرام، كما عامل أمراء آل رشيد وعسير وغيرهم من الأعداء الذين غمرهم بمعروفه وعطفه، حتى ملك قلوبهم وستر عيوبهم.
[ذكر ما جرى من التدابير بعد فتح جدة]
في صباح يوم الثلاثاء الموافق ٦/ ٦ أرسل عظمة السلطان طليعة من جيشه إلى جدة وهم عبد العزيز العتيبي، ويوسف ياسين، وخالد الحكيم، وحسن بك، وفقي، فاستلموا ما نصت عليه الاتفاقية ومن الغد أعني ٧ منه نقل الإمام عبد العزيز من الرغامة إلى الكندرة، وكان قد تقدمه فريق من جند المشاة ورهط من الخيالة بقيادة أخيه عبد الله بن عبد الرحمن، وكان موضع الكندرة محلًا داخل الأسلاك الشائكة بالقرب من البلدة، فرفع العلم السعودي وأطلق مائة مدفع ومدفع تحية البلاد واستقبله الأهلون يهرعون وقناصل الدول، ثم جلس السلطان عبد العزيز للوفود المسلمين والمهنئين في ذلك السرادق الذي أعده الأهالي بجهة الكندرة لاستقبال عظمته، وأخذ رئيس الحكومة المؤقتة "عبد الله زينل" يقدم لعظمته قناصل الدول ومندوبي الشركات الأجنبية، ثم ضباط الجند ثم أعيان المدينة، وقد تكلم قنصل إيطاليا "السنيور فارس" باللغة العربية مهنئًا السلطان بهذا الكلام.