في مسألة جعله قاضيًا في شقراء حتى جعل يبكي أمام الشيخ ويسأله العافية، فبكى الشيخ لبكائه وعذره، ثم إنه عرض عليه آخر وظيفة هي أن يكون إمامًا في مسجد كبير من مساجد بريدة ويتولى أعمال مدرسة علمية كانت حواليه فأبى ورفض.
وكان يتواضع للإخوان وطلاب العلم ويخفض جناحه لهم، ويصبر على ما يناله من الأذى فيجلس معهم ويحدثهم ويؤنسهم بما تتم به العشرة، ولا يمل مع ذلك حديثه وإن طال، ويكلم الناس على قدر عقولهم ومراتبهم، فيتحدث مع اللئيم وأهل البطش بما يلائمهم ويوافق لهم ليدفع شرهم، ويتحدث مع خاصته من طلاب العلم والدين والأحباب والأصدقاء، ويميل إليهم ويألفهم ويألفونه، ويكلم الأعيان والكبراء بكلام يليق بهم، ويحرص على المداراة مهما أمكنه، فلأجل ذلك لا يرى له كبير أمر بالمعروف ولا نهى عن منكر إلا عند الضرورة.
وكثيرًا ما يشكو إلى سرًا ما يقاسيه من بعض من يوافقهم للسلامة من شرهم ويحثني على المداراة كثيرًا.
[الباب الثالث في طريقة تعليمه ومحبة الناس له وصفته]
كان أسمر اللون طوالًا، شثن اليدين والرجلين، يحب التقشف ويعيب حب الجاه والرياسة والملابس الحسنة، قوي البنية، قليل اللحم، له لحية حسنة بعارضين، تعلوه السكينة وبهاء العلم والحياء، كبير الجبهة، ولم يكن له اشتغال في الدنيا، غير أنه ينسكب بيده فيصل إليه من ذلك نزرٌ يسير من طريق الكتابة والنسخ بيده وإصلاح الكتب والجلدات بالتجليد، ويباشر الأعمال الشاقة بنفسه ولا يرى لنفسه قدرًا، وكان حليمًا في غالب أموره، وذا سمت حسن وعقل رزين.
وقد خط كتبًا كثيرة بيده، فمنها كتاب الهداية لأبي الخطاب، والرعاية الصغرى، وذيل طبقات الحنابلة لابن رجب، وكتاب التنقيح، وكتاب المحرر في الفقه، وشرح الطحاوية، وقواعد ابن رجب وغيرها.
وكان شكورًا لنعم الله تعالى وذلك لما منَّ الله عليه من القناعة فإنه يرى نفسه