ولما لبث فيها بضع سنين كان في حال إقامته هناك مقبلًا على ربه واثقًا به قد شدّ يديه بحلبه وفوض أمره إليه صابرًا على ما أصابه الحكمة ضالته والسنة طلبته، فيا طوبى له إذا ضمته الأكفان، وخلى بأعماله لدى خالقه الواحد الديان، وفاز أهل الإيمان بالخلود في نعيم الجنان، فبينما هو مقيم في الغربة ومكابدة مرارة الكربة، إذ بأعلام آل سعود قد رفعت وراياتهم المنصورة قد خفقت فرجع إلى وطنه مصحوبًا بالسلامة، وكان قصد عبد العزيز بن متعب بنفيه إلى النبهانية، لأن لا يضل الناس بزعمه الفاسد بنفيه على تلك الجهة يأمن شره ولا أدري ما هذا الشر الذي يحاذره ابن متعب، فإن كان متابعة النبي محمد بن عبد الله بن عبد المطلب شرًا وضلالًا فيا حبذا هذا الشر نسأل الله تعالى أن يثبتنا على متابعة إلى أن نلقاه، وإنما صاحب الضلال والشر من يدعو إلى عبادة الأموات والتوسل، بذوات المخلوقات، أطرح نصوص الكتاب والسنة اختلاف التأويل لها، فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون، شعرًا:
حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه ... فالقوم أعداء له وخصوم
وترى اللبيب محمدًا لم يحترم ... شتم الرجال وعرضه مشتوم
وحاشا وكلا ولما أنه لا يضل الناس ولم يضل الناس، بل كان هاديًا مهديًا، ولكن قد قال من يقول للشيء كن فيكون:{وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}[الأنفال: ٣٤].
[ذكر قضائه وسعة علمه وحلمه وكيفيته وصفته]
كان ربعة من الرجال يميل إلى الطول في قامته جسيمًا بعيد ما بين المنكبين، عريض الصدر، له عينان حسنتان وله هيبة عظيمة وشجاعة، وكان عاقلًا رصينًا بليغًا فصيحًا، وله سمت عظيم يخاطب الملوك ويصدع بالحق ولا تأخذه في الله لومة لائم.
وكان في صفة قضائه أنه يجلس للخصمين على الأرض وما تحته وسائد ولا فرش، فإذا سمع كلام الخصمين واستورد ما لديهما من البينات، قضى قضاء