التي يرمون إليها ويدخلون السم في الشهد ليفسدوا في الأرض ويحدثوا الشغب والمشاكل، فاستجاش أهل الدين والفضل وطلبوا من الشيخ رحمه الله النظر في شأن هذا المعارض وأحرجوا موقف الشيخ، ورفعوا أصواتهم لأول مرة بين يديه وشوش الحاضرون جو الصفاء ونيتهم طيبة ومغزاهم حسن، فمن قائل يردع هذا المعارض، ومن قائل بنفيه، غير أن الشيخ له رأي من وراء ذلك كله، فطمأنهم ووعدهم بخير، وتحمل تلك المشاق التي لا ينبغي مواجهته بها، وكان المقام يقتضي عدم التشويش وأن لا يغتروا بأقوال المخادعين وتأثر لهذه الجراءة، ومن كلامه لأولئك الحاضرين أن قال:
يا أولادي ألا تعلمون أن هذا المعترض لا يؤبه له، ومن عادتنا ردع الأشرار تارة بعدم المبالاة بهم، وتارةً بردعهم سرًا، وتارةً بالأرشاد والنصيحة إذا كان بالقوس منزع وأنكم تعلمون أننا موضع الثقة منكم، ثم إنّه بعث إلى أمير البلد وأصدر أوامره بأن يؤخذ عليه التعهد وأن لا يعود إلى مثلها، وأغلظ عليه بالتوبيخ، وأدى واجبًا يشكر عليه نحو هذا المعترض، وقد يعامله بعض من تحت تصرفه بما يكره، ولو شاء لعاقبه أشد العقوبة لأنه قوي وله تمام القدرة عليه، لكنه يجعلها في نفسه ولا يبديها لأحد، ويصبر على ما ناله في ذات الله، وأنه يجب على الأمة توقير العلماء وتنفيذ إردتهم والخضوع لأوامرهم، وترك الاعتراض عليهم، قال الله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}[النساء: ٥٩]، وقال الله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (٦٥)} [النساء: ٦٥]، فتبين بهذا وجوب طاعة الله وطاعة رسوله وأولي الأمر ما لم يأمروا بمعصية الله ورسوله، وأن الشريعة محكمة بين الأمة ينفذها العلماء الموقعون عن رب العالمين، قال بعض العلماء في شأن القضاة وعلو درجتهم وأنه ينبغي مراعاة تلك الوظيفة:
ويا قاضيًا لم ير عاقبة القضاء ... وأن محيط العلم راء وسامع