استعداد، وإنزاله في لحده بلا أهبة ولا زاد، قد فارق الأحباب، ووسد التراب، وانقطع عن الأحباب؛ فالواجب علينا أن نعتبر بأيام الله وما جرى على الأمم؛ ودار عليهم من السلب والعدم. وما آل إليه أمر المنيع في أعالي القصور، وإنزاله منها على الرغم بعد السرور قد رفع البنيان، وفاخر الأقران؛ ونسى طوارق الزمان؛ ووثق بما لديه من الأماني والأمان، فلم يشعر إلا بالمنية قد أنشبت فيه أظفارها، وعضت عليه بأنيابها، وأنزلته إلى قعر الحضيض؛ وأبدلته بعد العز ذلًا، وبعد الحياة خمودًا، وبعد الحركة سكونًا، فيا عجبًا له من قوي عاد ضعيفًا، وبعد قهره أصبح مقهورًا، وبعد سطوته ليثًا عاد مأسورًا، وبعد أنس ربعه عاد محصورًا، يا عجبًا لأهل هذه الدنيا كيف لا يعتبر الخلائف بالماضين، وكيف لا يتعظ المطلق بالمقيدين، وكيف لا تبكي العيون لمصيرها، فكم لهذه الدنيا من صريع.
وكم لها من جريح، وكم لها من كسير، وكم لها من أسير، وكم لها من قتيل؛ ولكن أهلها لا يتعظون، وبغدرها لا يشعرون، ولا من سكرها يفيقون، ما هي والله إلا جيفة مستحيلة، أولعت النفوس باستجلابها، غافلةً عما فيها من الفجائع والقوارع والأنكاد، وقنعت بها همم دنية من أراذل العباد، فلا بذمها يسمعون، ولا بكثرة جفائها يزهدون.
يا عجبًا كم هدمت الأيام من حصن، وكسرت من قوي وأذلت من شريف وأفقرت من غني وفرقت من حبيب، وكسفت من بال، وعطلت من بئر، وخربت من قصر مشيد.
ولما كان المطلوب منا الاعتبار بمن مضى من القرون، وما جرى على الملوك الصيد، ممن طغى وتجبر على العبيد، وأتته الدنيا على ما يشتهي ويريد؛ وخدمته الولدان والخيل والعبيد، ولبس رقاق الثياب من كل غالٍ وجديد، وتزينت له الدنيا في غرورها كالعيد، فما كان إلا القليل حتى تكدرت منه العين، واختطفته أغربة البين، ودارت عليه المنون رحاها، وحل بعراصد البلا ومحاها؛ {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[آل عمران: ٢٦]، {وَتِلْكَ