بالعمل به ويعبد ربه، وله معه معاملة، وإذا منَّ الله على عبد فليفعل ما شاء من خصال الخير، فأما تلاوته للقرآن فإنه كان يتلوه قائمًا وقاعدًا ومضطجعًا، وما كان في زمنه مثله في التلاوة، وكثيرًا ما يسمع أوائل النهار في أوقات العبادة يتلوه من أوله وفي آخره قد ختمه، ثم شرع في أوائله، ولقد سهل الله عليه التلاوة والحفظ فكان لا يريد حفظ شيء إلا ويحصل عليه، وقد عجب أصحابه ورفقته من محبته للتلاوة، فكان إذا خرج إلى قرية أوخب من الخبوب أو سافر فإنه يرتب رفقته في دراسة القرآن حال السير، فإذا قربهم المكان فلا يمكنهم من كثرة الكلام بل يشغلهم بالقراءة، ولقد كان له حظ من قيام الليل ويحب الخلوة بربه في حنادس الظلام، ويعامل الله بالعبادة والطاعة، ويكثر الصلاة بالنهار، وإذا أصيب بمصيبة فإنه يستعين عليها بكثرة الصلاة، وقد يترك التدريس بين العشائين إذا أصيب بمصيبة ويفزع إلى الصلاة من المغرب إلى العشاء، وكثيرًا ما يفعل ذلك إذا مات له مولود.
وكان مولعًا بالحج والعمرة، ويكثر الطواف حتى يمل من يطوف معه فقد يشرع في الطواف من صلاة الغداة إلى ارتفاع الشمس، وقد يجمع أربعة وعشرين أسبوعًا في وقت واحد، ويداوم على الاعتكاف في العشر الآواخر من رمضان، وإذا اعتكف فإنه يفرّ عن مخالطة الناس بحيث لا يجالسه أحد ولا يكلم أحدًا، ويقول لمن يثق به إن بطن الأرض خير من ظهرها في هذا الزمان، وكثيرًا ما يقول إذا رأى التغييرات متأسفًا الله المستعان، وبكل حال فإنه يعتبر أعظم العباد في زمانه، وقد يبكي في أوقات الدراسة ويخضب لحيته بالدموع على خفية من الناس، ولا يحب الطنطنة، ولا ينافق، وأكثر جلوسه مستقبل القبلة، ويحب الطهارة والوضوء، وهذا والله نادر في الناس أن يكون عالم متصفًا بهذه الصفات، فما أقل جنسه في الخلق، بل ما أقله وإني لأعجب لوقته بحيث يتسع لأعماله غير أن الله تعالى بارك له في أوقاته.