الذين لا يهمهم ترف أبدانهم ولا لين ملبوسهم إنما يهمهم أمر الرعية والسهر على مصالحها ورعيتها ولما التفوا حوله وأرادوا تقبيل يديه على حسب ما عودهم الأشراف في عهدهم منعهم بعبارة قال فيها المصافحة من عادات العرب وعادة التقبيل لليد جاءتنا من الأجانب هذا ما يفعله الأعاجم بملوكهم فكان لهذه الكلمات أحسن الأثر في نفوس القوم واستبشروا منها خيرًا وأعجبهم ذلك كثيرًا فمن قائل ياله من سلطان متواضع لا يريد أن يسلم أحد عليه، ومن قائل حقا أنه على فطرة العربي وسليقته يكرهالملق ويمقت المداهنة، ومن قائل أنه يشعر بالعظمة في نفسه فلا يحتاج إلى من يعظمه، ومن قائل: اليوم تذوقنا لذة الحرية وشعرنا بالخلاص من رق الاستعباد، ومن قائل يقول لقد ورمت شفاهنا من كثرة تقبيل الأيدي والركب فلنهنأ بالراحة الدائمة.
ولما سمعوه يقول أن المصافحة عادتنا كما كان يصنع النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه جعل يقول قائلهم أسمعتم أنه يصلي على النبي بعكس ما فهمنا من قبل أنه يكرهه عليه الصلاة والسلام، ومن قائل أنه لا يريد بنا السوء بل إنه يعلمنا كيف نحتفظ بعزة العربي وكرامته والتمسك بأخلاقه وعاداته.
ولما استقر السلطان في مكانه وقف الشيخ عبد القادر الشيبي عميد بني شيبة سادن الكعبة وعين أعيان أهل مكة فأخذ يقدم له كبار الشخصيات والأعيان؛ ثم وقف ابن سعود وبين لهم أنه لم يأتهم مقاتلا ولا ظالما وإنما جاء ليخلصهم من جور الحسين وعسفه ولييسر للمسلمين سبيل الحج إلى بيت الله الحرام، جاء ليدعو الناس إلى العمل بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ويبسط لهم حقيقة الوهابية ليفهم الناس عنها فكرة صحيحة بعيدة عن الأغراض وأقوال الكاذبين وأبدى أسفه لما حدث في الطائف ووعد بتعويض المصابين بضياع الأموال، فتقدم إليه الشيخ عبد القادر الشيبي وقال هل لكم يا عظمة السلطان أن تتفضلوا بتعيين موعد تجتمعون فيه بعلماء المسجد الحرام وتوضحون لهم ما خفي عليهم من حقيقة عقيدة الوهابية فقد كثر حولها الكلام ونفر منها العوام فأجابه ابن سعود لكم ذلك ووعدهم من الغد في الساعة الثامنة بدار الحكومة.