ولما كان في ظهر يوم السبت في الوقت المعلوم كان الاجتماع في الحميدية وحضر لذلك العلماء وذوا الرأي من أهل مكة والمهاجرين فحياهم السلطان وتقدم حافظ وهبه فألقى عليهم كلمة جميلة أفادت أن ابن سعود جاء ليطهر تلك البلاد المقدسة من البدع، وليجعل الأمر شورى فلا يستبد بأمر، وبابه مفتوح لنصيحة كل ناصح، ولا يكون هذا البيت الحرام ملكًا لأحد، وأن التجارب السابقة دلت على أن الحسين وآله غير صالحين لإدارة هذه البلاد ولذلك فإنا سنضحي بنفوسنا وأموالنا في تطهير البلاد المقدسة منهم؛ وهنا قام "حبيب الله الشنقطي" فقال ولينصرن الله من ينصره، وما دامت غاية السلطان عبد العزيز نصرة الإسلام فإن الله ينصره ويؤيده.
فوقف السلطان عبد العزيز ثم خطب فيهم خطبة دينية، حمد الله وصلى على نبيه، ثم قال إن الأمور كلها بيد الله، وأن الله قد ضرب الأمثال في القرآن ولم يترك شيئًا لتأديبنا إلا ذكره في كتابه؛ ولقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي من أحبه فقد أحب الله، ومن أطاعه فقد أطاع الله، يأخذ نفسه بآداب القرآن الذي نزل به أمين السماء جبريل على أمين الأرض محمد صلى الله عليه وسلم ولا أظن رجلًا عنده ذرة من عقل وعرف ما جاء في كتاب الله إلا قدر هذه الآداب حق قدرها، ورأى أن الخير كل الخير في اتباع الهدى الحكيم، وأنتم تعلمون أن نبينا محمدًا - صلى الله عليه وسلم - ما جاء إلا ليدلنا على طريق الخير ويبين لنا السبيل الأقوم، ثم قال إن أفضل البقاع بقاع يقام فيها شرع الله، وأفضل الناس من اتبع أمر الله وعمل به، فهل تعلمون قبيلة أفضل من قريش ومع فضلهم قاتلهم الرسول لما عصوا الله ورسوله وأعرضوا عن الحق، ألم يشرف بلال الحبشي وسلمان الفارسي بالإسلام والأول عبد حبشي والآخر رجل فارسي؛ ألم يذل أبو لهب بالكفر وهو عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فالشرف ليس بالحسب ولا بالنسب وانما هو بالعمل الصالح.
إن هذا البيت هو شرف الإسلام الخالد، وما عمل فيه من الأعمال الحميدة يضاعف الله أجره، وما عمل فيه من السيئات يضاعف الله وزره، إن لهذا البيت