وكان إذا أخذ يفسر العبارات في التدريس فربما لبث نصف ساعة يذكر الأدلة وكلام العلماء على ذلك ويطيل ويسهب.
وقرأ عليه بعض الطلاب كلام الإمام ابن القيم في إساءة الظن بالله وهو الذي ذكره شيخ الإسلام وأكثر الناس يظنون بالله ظن السوء فيما يختص بهم، وفيما يفعله بغيرهم، فأخذ في شرح العبارة وتفسيرها وأطال وأفاد وأجاد وجعلت دموعه تجري على خديه حتى رحمه من حوله ولبث أربعين دقيقة.
وقرأ عليه قارئ في فتح المجيد، فلما بلغ ذكر الشفاعة جعل يبكي ويتكلم ويأتي بالعجب العجاب حتى تقدم عن مكانه الذي هو جالس فيه، وكاد أن يصل إلى وسط الحلقة حتى خشي القارئ من أن يصل إليه.
وقرأ عليه بعض الإخوان من الطلاب بكتاب الصيب الهطال في الرد على ابن كمال، فقال رحمه الله أن الاسم مشتق من الفعل يعني الكتلاني هو مؤلف الكتاب، وكان إذا سمع الجملة تنحنح ثم شرع يتكلم.
وقرأ عليه بعض الإخوان من طلاب العلم بمسائل الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن فتكلم معربًا عن فضل المؤلف ومكانته في العلم وجعل يثني عليه ويمتدحه ويذكر ما لآل الشيخ من الفضائل والمناقب التي بنوا بها ما تهدم من قواعد الإسلام وإشادة ما اندثر منها وأطال وأسهب.
وقرأت عليه في حاشية التوحيد للشيخ عبد الرحمن فلما بلغت رواه وكيع فقال: وكيع هذا هو ابن الجراح بن وكيع عالم كبير، شكى إليه الشافعي سوء حفظه فقال له اترك المعاصي، وأنت يا ولدي إن أردت طلب العلم فاترك المعاصي، اترك المعاصي إن كنت تريد طلب العلم، فإن المعاصي تمنع من تحصيل العلم، وجعل يرددها علي ويحثني على طاعة الله ورسوله فتأثرت لذلك ووجدت لكلامه وقعًا بحيث أني والله لأجد لكلامه موقعًا حتى أنه مثل العافية على الجسم السقيم.
ومهما كانت الأحوال والظروف فإن اللسان يعجز عن التعبير عما في الجنان من براعته ونبله ونصحه وإرشاده.