بين دار الحكومة وبين المسجد الحرام أكثر من خمسة وعشرين مترًا، وصارت بهذا الارتفاع تضاهي منائر المسجد الحرام، وهي ذات وجهتين إحداهما مطلة على المسجد الحرام وشارع المسعى، والأخرى مطلة على محلة أجياد، ويسمع صوت دقات جرسها كل من كان في المسجد الحرام، وشارع المسعى وسكان المدارس التي حول المسجد الحرام وما جاوره، وتضاء مينتها ليلًا بالكهرباء، وقد شدت قاعدتها بالآجر والنورة والحديد وأحكمت إحكامًا متقنًا، ولا شك أن هذه الساعة أول ساعة وجدت بالحجاز بهذه الصفة ضخامةً وضبطًا وقوة وبهاءً، وأصبحت هذه الساعة هي الوحيدة للمسجد الحرام يعتمد عليها في التوقيت، ولما أن أحضرها وزير المالية عبد الله بن سليمان عهد إلى أمين العاصمة إذ ذاك عباس قطان بوضعها في الموضع المذكور.
وفيها جمع العلماء رسالة نصيحة في الحث على طلب العلم، جاءت بعد البسملة: من عبد الله بن عبد العزيز العنقري، وعمر بن محمد بن سليم، وصالح بن عبد العزيز، ومحمد بن إبراهيم آل عبد اللطيف، إلى كافة المنتسبين لطلب العلم من أهل نجد، وفقهم الله تعالى وهداهم وتولانا وإياهم، ثم ذكروا الآداب التي ينبغي لطالب العلم أن يتأدب بها، وحثوا على التشمير في الطلب والجد والاجتهاد، وكان تحرير كتابتها في ١٧ ذي القعدة من هذه السنة ثم إنه سجل عليها جلالة الملك وصدق في أسفلها بأن ما كتب المشايخ هو الحق ونصح، وأبلغ وألزم من كان أهلًا لطلب العلم أن يطلبه، وأكد في ذلك وختمها بتاريخ ما تقدم، فجزى الله من أعان الإسلام وأهله ولو بشطر كلمة، وسدد إمام المسلمين ومشايخ الإسلام الأئمة الأعلام، وكان لهذه النصيحة أعظم الوقع في القلوب، وفعلًا قد بادر العلماء إلى القيام على الطلاب، ولكنها قد غلبت الفترة والكسل على أكثر النفوس فأوثرت الدنيا على الأخرى، فما كأنها تبصر ولا تسمع وأصبح الخلق في نقص في أمور دينهم، ووقع الوهن وضعفت العزائم والهمم، وحلت مصيبة عمت فأعمت، وعظمت فأصمت، وأصيب المسلمون بنقص العلماء، وكثرة السفهاء وزهد أبناء