مفتول العضد ممشوق القامة، منتصبها، كثير التواضع، جم الحياء، وكان أهل العراق يعظمونه لما يرجونه له في النهضة والاستقبال، ولما مات غازي في هذه السنة عين ابنه فيصل الثاني تحت وصاية ابن عمه عبد الإله بن علي بن الحسين.
وفيها توفى رئيس جمهورية تركيا مصطفى كما باشا، وقد قدمنا في سنة ولادته نشأته ودراسته، وذلك في حوادث ١٢٩٨ هـ، ونذكر هنا شيئًا من أخلاقه وجراءته وأعماله، كان يمتاز بقوة الإرادة، وثبات العزيمة، والإقدام، والاستقلال بالرأي، وهو قليل الكلام إلا إذا كان الموضوع يهمه، فيتدفق تدفقًا، وينقلب إلى محامٍ بارع، وخطيب لسن، وقد روي عن والدته أنها جاءته على أثر اجتماعه مع إخوانه الضباط في بيته يعقدون آراء ضد السلطان عبد الحميد قبيل إعلان الدستور، فقالت له: بعد أن تبينت الغاية من الاجتماع: يا ولدي أريد أن تبين لي هل تحاول أنت وإخوانك أن تشقوا عصا الطاعة على السلطان، وله قوة سبعة أولياء، ولما أفهمها الغاية الحقيقية قالت له يجب التماس الحيطة يا بني، وتوفيت والدته تريرة العين بما بلغه من مجد ورفعة، وكان مصطفى صريحًا لا يعرف المداهنة، وله حظ في تقلباته وانتصاراته.
فمنها أن عصابة تألفت لاغتياله فرصدت له الطريق في بعض تنقلاته وأطلقت النار على رجل تظنه المترجم فأردت الرجل قتيلًا فأرادوا مصطفى وأراد الله سواه، ولم تقدر العصابة عليه، وذلك قبل وفاته بسبع سنين، فاتخذ البوليس بعد ذلك قوة الاحتياطات الشديدة للمحافظة على حياته، ولقد ضاد مصطفى كمال للسلطات وحيد الدين محمد وقام بتركيا فسطى سطوات تشيب الوليد، وما زال يضرب اليونان حتى كان آخر أمره أن نصب المدافع العظيمة على حصون أفيون، وكانت محكمة حيث ظن اليونان أنها لن تنال، فلما صبت المدافع نيرانها الحامية على الحصون احتل المدينة ودخلها وحمل اليونان خسائر بلغت عشرين ألف قتيل وواحد وستين ألف أسيرًا، ومن ضمنهم القائد العام، وكبير من الضباط، وخسر اليونان المدافع كلها، وكان يبلغ عددها سبعمائة مدفع، وجميع الطيارات، ومائة وستين ألف بندقية، وكمية عظيمة من الذخائر والمعدات.