ثم لما كان في شهر رمضان جاءت الأخبار بأن عباس باشا، وإلى مصر جهز جيوشًا كثيرة إلى بلدان عسير، فحصل الأمن والاطمئنان لنجد وأهلها، وكان عباس باشا قد ضم إلى هذه الجيوش من في المدينة من العساكر فتوجهت أولائك العساكر إلى بلدان عسير وجرى عليها من الأسر والقتل ما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى ولما تحقق الإمام فيصل الخبر عن تلك العساكر ارتحل من بلد المجمعة بمن معه من جنود المسلمين وصبح الصهبة من مطير على أم الجماجم، فأخذهم ثم رجع إلى الرياض وأذن لمن معه من جنود المسلمين بالرجوع إلى أوطانهم، وكفى الله المؤمنين القتال، وكان الله قويًا عزيزًا.
وفيها في ذي القعدة بعث السلطان عبد المجيد خان طوقًا من ذهب للحجر الأسود زاده الله تشريفًا وتكريمًا، ولا زال يقبل ويستلم في أناء الليل والنهار، وأمر بأن يجعل عليه ذلك الطوق، وكان بعثه صحبة الشريف عبد المطلب، ويقدر ذلك الطوق بألف دينار، ثم إنه أزيل طوق الفضة القديم وركب الذهبي.
وقد قيل أنه وزن فكان عشر أوقيات من الذهب الخالص، ولم يعلم أن الحجر الأسود قد طوق بالذهب غير هذه المرة، وكان هذا الطوق في غاية الحسن من التنقيش ومكتوب فوقه.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وحواليه آية الكرسي وبعض آيات قرآنية، وأصل ذهب هذا الطوق من كنز وجد بمكة في شعب جياد، وأخرج الطوق الأول من الفضة فأرسل إلى الأستانة عاصمة الدولة العثمانية إذ ذاك وبهذا وأمثاله نعترف باهتمام الدولة العثمانية بالحرمين الشريفين، إن الله عز وجل جعل هذه الأماكن المقدسة محترمة لدى العالم أجمع، ولا تزال الحكومات الإسلامية في قديم الدهر وحديثه تولي الحرمين عناية واهتمام، ومن أبلغ ما بذل من الجهود فيما قبل آل سعود الذين لم يدعوا ذكرًا لمن قبلهم هم سلاطين آل عثمان حيث عمروا الحرمين، وجدوا في سبيل العناية بهما، نسأل الله تعالى أن يعمّرها بالطاعة والتقوى وأن يجعلهما على الدوام ملجأ للحجاج والعمار والزوار.