امرأة تستغيث استغاثة احتراق وتصرخ بويلها وثبورها، وهناك خصومة تسمع الأصوات ولا نرى إلا الأشجار لكثرتها في ذلك الموضع، ولما أن أنصتنا مستمعين إلى صوت المرأة إذا بها تقول باعلى صوتها: يا معشر المسلمين، ويا حجاج بيت الله، ألا تنصرون مظلومًا، ألا تأخذون حق الضعيف، وتردد ذلك بصوت شجي يقلق الراحة ويبعث على النجدة، فرأى أصحابنا عدم الدخول في شأنهم وتركهم لأنهم في موضع الشيابين الذي يهون عليهم القتل والسلب، غير أن تلك الاستغاثة تستجيش وتحرك الساكنات، فلا يقر القرار لصاحب أنفة أن يسمعها إلا يقوم للنجدة وحل النزاع:
إليكم عباد الله صرخة صارخ ... يرن صداها في تخوم السياسب
تجاوبها الأحجار والأرض والسما ... بكاء حزين قد دهي بالمصائب
أما فيكمو من يرتجي لمرزء ... حريق فؤاد من هموم نواكب
أحجاج بيت الله فكوا لمسلمٍ ... أحاط به أعدائه فعل خائب
على رأسه الأعداء تفري أيمه ... بعضب يمان دامغٌ في المضارب
وقد حيل بيني أن أنال فكاكه ... فيا ويل مقهورٍ غاضه كل غالب
فإن لم تجيبوا غوثنا وتسارعوا ... فعما قريب موته بالمعاطب
فطلبت من أصحابنا النظر في المسألة، غير أني لم أتمالك أن قمت من بينهم وسمحت بعدم المساعدة منهم، ولما رأوا تصميمي لم يسعهم إلى أن يمشوا أمامي نحو الصياح، ولما أن قربنا منهم إذا محفل لا يقل عدده عن أربعين رجلًا من بينهم شاب قائم على رأسه صاحبه وهو شاب مثله وقد علاه بالخنجر يطعنه في ظهره وكاهله وكتفه الأيسر، وقد وطئ برجله اليسرى على صفحة عنقه، وكانت أم المغلوب على قدر ثلاثة أمتار وقد شد أحد الحاضرين يديها إلى ظهرها وأمسكها عن ابنها فكانت على هذه الصفة وحظها الصياح، وأولئك الحاضرون يتفكهون على تلك الدماء التي تجري كالمرازيب، فعجبت لنلك القسوة وتقدم أصحابنا إليهم، فقام الخبيث قد انتضى خنجره يتهدد ويتوعد فلم يتقدم أحد، وأحجم القوم لهذا المنظر