مرَّ عليه ذات يوم غني من الزكرت قد لبس عقالًا وكسوة فاخرة من الصوف وفوق ذلك بشت من الوبر الطيب، وقد ثنى عطفه فلم يسلم على زاهدنا، فوقف على العصا فقال: رويدك يا مسكين ترفق اقصد في مشيك فإنك مخلوق من طين وخرجت من موضع البول مرتين، وقد حملت البهائم الصوف الذي على ظهرك فلم تتكبر وتطغى، فاستحيا منه الغني ووقف يعتذر.
وكان يحب الأذان للصلوات الخمس فيؤذن ويقيم ويعظ وينصح، وقد سلم المسلمون من شره، فيا طوبى له إذا لقي رب الأرباب وفاز بما عنده من الثواب، نقول ذلك ولا نعلم إلا خيرًا فالله المستعان.
وفي هذه السنة لا تزال الحرب مستمرة بين ألمانيا والحلفاء، وقد تراجعت ألمانيا بعدما وصلت إلى أبواب العلمين وظهرت انتصارات الحلفاء، وتغلبت القوات البريطانية بعدما كان الجميع في اضطراب مستمر والله على كل شيء قدير، وأمره بين الكاف والنون، ومما لا ريب فيه أن ألمانيا لا تطيق حرب أوربا بأجمعها إذا انضمت أمريكا إليها، أضف إلى ذلك ألظ هتلر أضاع الفرصة متمتعًا في حفلات صاخبة مزهوًا بنشوة النصر مع الآنسات والحريم الهتلري، وترك ستالين يعد عدته وينظم صفوفه بالاتفاق مع الحلفاء الذين أخذوا يغدقون عليه الأجهزة والمعدات الحربية الثقيلة والخفيفة.
هذا وقد استقر الحاج أمين الحسيني في برلين، وبعده قدم رشيد عالي الكيلاني، وكان قدومهما من العراق، ولقد ثارت ثائرة هتلر على مجموع القادة الألمان في الجبهة الشرقية لتفريطهم في واجباتهم العسكرية، ولم ينتزعوا له النصر النهائي في الجبهة الشرقية الشيوعية قبل حلول الشتاء، ثم قرر قرارًا لا رجعة فيه ولا يقبل نقضًا ولا إبرامًا، فقبض بيده على أعنة القيادة وانتزع السلطات من أيدي قادة الجيوش برمتها، حتى أن قائد جيش لو أراد نقل سرية من مكان إلى مكان ما يجب أن يستأذن برقيًا القائد الأعلى، ولقد كان ينبغي أن يكون القائد هو الذي ينفذ الخطط المرسومة من القيادة العليا، غير أنه يجب أن يكون مطلق الحرية في التصرف يرى الحاضر ما لا يرى الغائب.