وصارت الشوارع جداول وأنهار من دخان تذر لم تفد معه الأقنعة الواقية من الغازات السامة.
إن هتلر والحق يقال رجل عظيم يوازي ستالين أو يفوق عليه في الذكاء والخديعة، ولكنه لم يكن سياسيًا واقعيًا، بل يعتمد على استعمال العنف والقوة لتحقيق مطامعه وأهدافه وغاياته التوسعية، وقد نسي أن ألمانيا بكل كفاءاتها ونبوغ قادتها وفيضان مصانعها الحربية ليست إلا رقعة صغيرة من هذه الكرة الأرضية التي تعج بالدول ذات الكفاءات والإمكانات التي تؤلف كجموعها كتلة ضخمة تقف ألمانيا أمامها خاشعة وهي حسيرة.
ولقد كان عليه عندما زار وزير خارجية روسيا برلين وعرض على هتلر عددًا غير يسير من القضاة التي كان على هتلر الموافقة عليها وهي تتعلق بسياسة ألمانيا في بلاد البلقان وفي المضايق بتركيا، كان عليه أن يرضخ له لأنه رأى المخاوف تتضخم وما لا يدرك كله لا يترك كله، لأن ستالين لم يتم استعداده لمواجهة الخطر الألماني إلا بعد أن أعلن هتلر الحرب على أمريكا، ولكنه أبى ولو نزلت السماء على الأرض، كما أن قادة جيشه أجمعوا على الوقوف ضد الهجوم على روسيا منذ البداية وقدموا له نصيحة إن كان ولا بد فعليه أن يعقد قبل كل شيء صلحًا عاجلًا مع بريطانيا، ولسوء الحظ لم تقبل بريطانيا.
وبما أن قوات الحلفاء من دبابات ومصفحات وقاذفات أمريكية دمرت وأعطبت في خطوط المواصلات، وقامت الغارات الجوية بغارات عنيفة على ثمانين مركزًا للخطوط الحديدة في شمال غرب أوربا، وألقت ما يزيد على ستة وستين ألف طن في خلال اثنتين وعشرين ألف رحلة من رحلاتها الجوية على خطوط الدفاع الألمانية، فإن هتلر ينتظر من مصانعه السرية التي كان يعمل فيها فطاحل العلماء وأساطنة المخترعين أن ينتهي صنع السلاح السري المنتظر الذي سيغير به وجه التاريخ، ألم يقذف بريطانيا بسلاح ٧/ ١، وأتبعه بسلاح ٧/ ٢، ويفكر في إيجاد حل لهذه المشكلة.