في بذل الجهود لسحب الماء من عيون وادي فاطمة إلى جدة، وذلك أن صاحب الجلالة السعودية الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن لما رأي ما يكابده أهل جدة ووفود بيت الله الحرام من قلة الماء العذب الذي لا يتحصل إلا من الكنداسة، وهي الآلة الفنية الحديثة فيما يستقطر من قصبها المصفية للماء العذب من مياه البحر المالحة، أو ما يستنقع ويجتمع من مياه الأمطار في الصهاريج، فكانت جدة محرومة من ماء معين يشرب منه سكانها، فعاشت هذه المدينة تلك السنوات كلها تقاسي آلام الحرمان من مادة الحياة التي لا حياة للناس بأمر الله إلا بها، ولا استقرار لهم إلا بتوفيرها ووجودها، فقد صدرت أوامر صاحب الجلالة الملك عبد العزيز بأن يشتري المقادير الكافية لشرب مدينة جدة من عيون وادي فاطمة، وأن يسحب هذا الماء منه علي بعد خمسة وستين كيلو متر من تلك المسافة إلى داخل جدة ليستقي منه سكان البلاد والحجاج والزوار كل ذلك علي حسابه وعلى نفقته الخاصة.
وإن هذا لشيء عجاب ومزية خصه الله بها، فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيرًا، فسبحان من منحه هذا التوفيق، وقد تولي ذلك الأمر الوزير المسدد عبد الله بن سليمان تنفيذًا لرغبة صاحب الجلالة بما لديه من نشاط وهمة بكل ما تدعو إليه من جهود.
ولما كان في يوم الثلاثاء خامس محرم من هذه السنة وصل الماء إلى مدينة جدة وقد احتفل به الأهالي والمجاورون، وحصل لهم فرحة كبري لنجاح هذا المشروع الخيري تحت رعاية صاحب السمو الملكي ولي العهد سعود، وقام أهل جدة يهتزون طربًا في محفل عظيم حضر فيه الأعيان وتباري الشعراء والخطباء بما يضيق عنه الموسع، وسجلوها وثيقة تاريخية ودعوا لصاحب الجلالة أن يطيل الله عمره وأن يجزل له الثواب الأوفى والجزاء الحسن، وأن يتولى مكافئته عن المسلمين بالجنة أمين الله أمين.
وكان المحفل والمهرجان العظيم له ضجة في الشوارع والأزقة والممرات في جدة وشقوا جيوبهم يدعون من صميم الأفئدة بالأدعية المتوالية لجلالة الملك ولولي