السفرة فإني سأذهب، ولما أن قدم على الملك عبدِ الله كان أول عبارة قالها الملك له:
والله ما كرهتك قط برغم كل ما مرَّ بيننا من خلافات ومن تباعد في بعض وجهات النظر، وعلق الملك على صدر رياض الصلح أرقى وسام أردني وقال له: أمنيتي أن تحمل هذا الوشاح في جميع الحفلات التي تحضرها، وقال رياض بك: سيزين هذا الوشاح صدري طوال عمري يا صاحب الجلالة، فرد عليه الملك بقوله: بل إن صدرك هو الذي سيزين الوشاح يا رياض بك.
ولما أن كان في ساعة الوداع قال له الملك عبدِ الله: بالله يا رياض بك ابق معي لنصلي الجمعة معًا في المسجد الأقصى، فأجابه شكرًا يا سيدنا، لا بد أن أعود اليوم إلى بيروت، لقد ارتبطت بحضور جلسة مجلس النواب يوم الأربعاء لأتكلم في مسألة هامة، ولما افترقا من الوداع اتجه رياض الصلح إلى فندق فيلاديفيا، ثم إلى طريق مطار عمان حيث كان الموت يتربص له، وبينما هو يسير بسيارته على مهل وفي رفقة سيارة أخرى تحرسه، ومعه بعض رفقته إذ تقدمت فجاة سيارة خضراء قد أطلقت أَبواقها، فأعطاها سائق السيارة الطَّرِيقِ، ومشت بين السيارتين في وقت تحقق الريب منها مرافقوا سيارة رياض وهموا بصدها، ولو أثر ذلك تصادمًا لكنها أطلقت الرصاص على سيارة رياض الصلح، واستمرت في سيرها، أما سيارة الرئيس فقد وقفت وأقبل عليه أحد الذين معه يكلمه فإذا به لا يجيب، وإذا بالرصاصة الثانية قد أصابت رفيقه.
أما هو فإنه أصيب بالرصاصة الأولى ودخلت في قبله فلم يتحرك من مكانه، ولما نزل بعض حراسه مهرولًا من السيارة الثانية وجد جليسه ملقى على أرض السيارة يتلوى، ورياض الصلح جالسًا ووجهه ملوث بالدم، وعيناه مغمضتان نصف إغماضة، فأخذه على صدره يصيح للسائق أسرع به إلى المستشفى، ولم يكد يكمل كلامه حتَّى سال دم أسود من فم رياض الصلح، ثم تدلى لسانه من فمه وشرع بقية حراسه يطاردون القاتلين.