ثم جلس مدرسًا في المسجد فانتفع به المسلمون ثم جعلوه في مهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقام بأعمال أهل البلد من عقود الأنكحة وكتابة الوثائق في البيع والشراء والإِجارات. ولما أن تولَّى صاحب الجلالة عبد العزيز على بلد المجمعة عينه قاضيًا فيها ثم أضيف إليه البلدان المجاورة لها فكان هو القاضي على منطقة سدير وما يليها فتولَّى تلك الأعمال بنزاهة وتسديد وتوفيق من الملك المجيد وأحبوه ووقفوا عند فصله بالأعمال ورضوا بأقضيته وتصديراته. وفي عام الأربعين بعثه الملك عبد العزيز إلى فيصل الدويش لمَّا تجمعت الأعراب من أتباعه على قتال أمير الكويت وجنوده وكان في معية الشيخ فضيلة الشيخ محمد بن عبد اللطيف لإقناع الدويش وإلانة شكيمته بأن بين ابن سعود وابن صباح علاقات تقتضي عدم اعتداء أحدهما على الآخر. فأفلح سعى الشيخين وكف الدويش عن اعتداءاته كما كلفه صاحب الجلالة بالذهاب إلى الدويش وأتباعه ومناصحتهم لما شقوا عصا الطاعة وفارقوا الجماعة في عام ست وأربعين. فقام الشيخ وعاضده جمع من العلماء يبذلون النصيحة ويوجهون أولئك الأعراف الذين سولت لهم أنفسهم ارتكاب تلك الجرائم، غير أنَّ الشر قد استفحل ولا يفل الحديد إلَّا الحديد، ولكنها لم تنجح المهمة ولا حول ولا قوة إلَّا بالله. وثقة الملك عبد العزيز به وبعثه لهذه المهام يدل على مكانة الشيخ وعلو كعبه ذلك لما يتوسمه فيه صاحب الجلالة الذي هو جُذيلها المحكك وعُذيقها المرجّب في معرفة الرجال ووضع الأمور في مواضعها، ويكفيه شرفًا أن وسدت إليه هذه الأمور من رجل باقعة يزن الرجال ويعرف ما يقومون به ويتحلون به من أخلاق وسياسة وعقول راجحة. ولقد قام الشيخ بأمور هامة في سبل السلم والحرب والصلح وخدم أمته وحكومته وإنَّه لمما يبعث الأحزان ويستجيش الأشجان ويسكب العبرات على الوجنات أن تصاب الأمة بمثل هؤلاء الأركان الذين يقل وجودهم في