فصمد عمر - رضي الله عنه - وقال لسعد بن أبي وقاص لما شيعه وجعل يجوز الجيوش لمقابلة مائتي ألف من الفرس قال له يا سعد بن وهيب لا يغرنك من الله أن قيل خال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصاحبه فإن الله لا يمحو السيئ بالسيئ ولكن يمحو السيئ بالحسن وإن الله ليس بينه وبين أحد نسب إلَّا بطاعته فالناس شريفهم ووضيعهم في ذات الله سواء، الله ربهم وهم عباده يتفاضلون بالعافية ويدركون ما عند الله بالطاعة فانظر الأمر الذي رأيت رسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم - منذ بعث إلى أن فارقنا عليه فألزمه فإنَّه الأمر، هذه عظتي إياك أن تركنها ورغبت عنها حبط عملك وكنت من الخاسرين ولما أراد فراقه قال له إنك ستقدم على أمر شديد فالصبر الصبر على ما أصابك ونابك تجمع لك خشية الله، وأعلم أن خشية الله تجتمع في أمرين في طاعته واجتناب معصيته وإنما أطاعه من أطاعه ببغض الدنيا وحب الآخرة وإنَّما عصيان من عصاه بحب الدُّنيا وبغض الآخرة وللقلوب حقائق ينشئها الله إن شاء، منها السر ومنها العلانية فأمَّا العلانية فإن يكون حامده وذامه في الحق سواء، وأمَّا السر فيعرف بظهور الحكمة من قلبه على لسانه وبمحبة النَّاس ومن محبة النَّاس فلا تزهد في التحبب فإن النبيين قد سألوا محبتهم وأن الله إذا أحب عبدًا حبّبه وإذا أبغض عبدًا بغضه فاعتبر منزلتك عند الله بمنزلتك عند النَّاس، ثم قال له: مر الجيش أن يبدروهم بالضرب والشِّدة ولا يهولنك كثرة عددهم وعددهم فإنهم قوم خدعة مكره وإن صبرتمَ وأحسنتم ونويتم الأمانة رجوت أن تنصروا عليهم وأمره أن يحاسب نفسه ويعظ جيشه وأمرهم بالنية الحسنة والصبر فإن النصر يأتي من الله على قدر النيَّة والأجر على قدر الحسبة وسلوا الله العافية وأكثروا من قول لا حول ولا قوة إلَّا بالله العلي العظيم، ثم قال: اكتب إلي بجميع أحوالكم وتفاصيلها وكيف تنزلون، وأين يكون منكم عدوكم واجعلني بكتبك إلي كأني انظر إليكم واجعلني من أمركم على الجلية وخف الله وأرجه ولا تدل بشيء واعلم أن الله قد توكل لهذا الأمر بما لا خلف له فاحذر أن يصرفه عنك ويستبدل بكم غيركم وجعل عمر يدعو لسعد خاصة وله وللمسلمين عامة ثم سار سعد وزحف بالجيوش الإسلامية إلى القادسية.