ويا للأسف لم أتمكن من رؤية بقية الآبار في ضبا لضايقة الليل، وكنا لما فرغنا من دعوة الوكيل قمنا مودعين له شاكرين لأهل ضباء حفاوتهم وإكرامهم، وكان الوكيل يفضل البيتوتة فيها غير أن الظروف لم تساعد ثم أنه زودنا بكتاب فيه التوصية بنا إلى أمير المويلح كل ذلك لأجل الشفقة والعناية بنا لكننا لما أن مررنا بالمويلح كان من الرفقة من يفضل مواصلة السير للبيتوتة في الفضاء الواسع والهواء الطلق فجعلناه إلى اليسار وهذا المويلح ماء في قلعة حمن الآثار القديمة يظهر أن مؤسسها كما يقولون خديوي مصر وأنه متقدم في وضعه على ضبا، ويا ليت أن لو نزلنا في ذلك الموضع لنأنس بسكانه غير أن الله لم يشأ ذلك بل ألجأنا المبيت إلى أرض صحراوية ليس فيها سوى الأشجار والفلوات، وقد لقينا فيها نصبًا لأنها حوالي جبل اللوز المملوء بالهوام والوحوش وبعد وقدة لم تلتذ فيها جفوننا بنوم مريح نهضنا لصلاة الفجر ومواصلة السير، وقد تأثر بعض الرفقة بتغير الطقس وما زلنا نسير حتى تبدى لنا نخيل وبيوت شعر يقولون هذه (شرما)، وكانت مملوءة بشجر الدوم، هذا ونحن نسير في الساحل نقرب منه تارة ونبعد عنه أخرى حتى وصلنا إلى الخريبة التي كانت مركزًا فيه جنود مرابطون في سلاح الحدود، وكان فيها جهاز المخابرة ليكونوا دائمًا في الاتصال بالعواصم إذا حصل شيء من الطوارئ وتعلو الكآبة على أولئك الجنود لبعدهم ولأن ذلك الموضع سبخة ليس بجيد الطقس غير أنهم قاموا يباشرون ويتسابقون لما أن علموا بمهمتنا وهي الكتابة بتلك الأبراك عما نجده وأطلعونا على سهرهم لصالح الأمة وكانت (الخريبة) فيها جامع كبير ومركز إمارة وجمرك وشرشورة وقد شجعناهم على الصبر والصابرة وأنهم في جهاد في سبيل الله وكنت كثيرًا ما أشجعهم ومن كانوا في ذلك المقام وأعظمهم وأذكرهم فأجد قبولًا وتعاونًا، ولما أن سرنا منها مررنا باقيال وفيه عشاش ويخفنا من جهة اليمين زهد ثم جبل اللوز ويعتبر في سعته وارتفاعه آية من آيات الله ويروون من الحوادث أن طائرة اصطدمت به لرفعته، وكان مأوى للنمور والسباع والدب والقرود وغيرهما من السباع المفترسة وكان النمر موجودًا بكثرة هناك، أما