جلسائه فهذا فوق حد الاستطاعة، وقال عن أحد تلامذته صحبته لم أسمع منه مقالًا لأي إنسان ولو مخطئ عليه يكون فيه جرح لشعوره وما كان يعاتب إنسانًا في شيء يمكن تداركه وكان كثير التغاضي عن كثير من الأمور في حق نفسه ولم يكن يغتاب أحدًا ولم يسمح بغيبة في مجلسه وكثيرًا ما يقول لإخوانه تحفظوا من حصر الغيبة ويقول إذا كان الإنسان يعلم أن كل ما يتكلم به يأتي في صحيفته فلا يأتي فيها إلا لشيء الطيب ويصفونه بأنه قوي صلبًا في الحق وليِّنًا سهلًا في مخاطبته وفي الرجوع إلى ما ظهر إليه منه وذكروه بمكارم الأخلاق والشيم وصفات الكمال في الرجال ولم تكن الدنيا تساوي عنده شيئًا فلم يكن يهتم لها ولم يطلب عطاء ولا ترفيعًا لمرتبته ولا حصولًا على مكافاة أو علاوة ولكن ما جاءه من غير سؤال أخذه، وما حصل عليه لم يكن ليستبقيه بل يوزعه في حينه على المعوزين من أرامل ومنقطعين ومات ولم يخلف دينارًا ولا درهمًا وقد وجدت عند قصة عجيبة في حال طلبه للعلم بأنه سأل أحد مشائخه في حالة الطلب عن مسألة وكان في شرحه لم يشف ما في نفسه فقام من عنده ظهرًا فاخذ الكتب والمراجع وجعل يراجع حتى وقت العصر فلم يتوصل إلى حل مشكلة المسألة فعاد إلى المراجعة إلى غروب الشمس ثم أنه أوقد له أعواد من الحطب يراجع على ضوئها وواصل المطالعة والمراجعة وجعل يتناول الشاهي الأخضر كلما مل أو سئم وحوله من يتابع الوقود من الحطب حتى طلع الفجر وهو في مجلسه لم يقم إلا لصلاة فرض أو تناول لطعام وما زال كذلك حتى ارتفع النهار وقد وضح له مشكلها فنام بقية يومه واكتفى بظهور هذه المسألة فلم يذهب للدراسة بقية يومه من السهر ولله در القائل:
فكابد إلى أن تبلغ النفس عذرها ... وكن في اكتساب العلم طلاع أنجد
ولا يذهبن العمر منك سبهللًا ... ولا تغبنن في النعمتين بل اجهد
وخذها بدرس ليس في النوم تدركن ... لأهل التقى والعلم في كل مشهد
فمن هجر اللذات نال المنى ومن ... أكب على اللذات عض على اليد
وفي خلوة الإنسان بالعلم أنسه ... ويسلم دين المرء عند التوحد