والعتمات وأواخر الليل إلى تلك المساجد التي لا تزال إذ ذاك عامرة بالتدريس وحلق الذكر لأخذ نصيبه من العلم رغم زمهرير الشتاء وبرده القارس، وأمطاره وثلوجه، وكان مشائخه يقدرون أعماله ويعرفون له فضل الاجتهاد.
ولما بلغ من العمر اثنين وعشرون سنة أخذ يدرس ويعلم في المسجد واجتمع عليه تلامذة كثيرون فضلاء.
من تلامذته الشيخ صالح بن إبراهيم البليهي المدرس في المعهد العلمي، والشيخ علي بن محمد السكاكر رئيس هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مقاطعة القصيم، والشيخ عبد الرحمن بن عبد العزيز الحميد، والشيخ محمد الصالح المرشد مدير المعهد العلمي في بريدة سابقًا، والمدرس بالجامعة الإسلامية لاحقًا؛ والشيخ علي بن محمد الربيش أحد أعضاء المحكمة المذكورة، وأخذ عنه الشيخ محمد بن عبد الله بن عودة أحد أعضاء رئاسة القضاء في السعودية؛ وأخذ عنه الشيخ عبد العزيز بن إبراهيم الدوسري مساعد مدير مكتبة الحرم المكي، وعلي بن راشد الرقيبة، وأخذ عنه الأستاذ سليمان بن عبد العزيز التويجري، وأخذ عنه صالح بن إبراهيم الرسيني، وعبد الله بن صالح الحسين، وأخذ عنه غير هؤلاء خلق كثير وجمع غفير، وأخذ عنه ابناه عبد الرحمن ومحمد.
ومن العجائب أن غالب الذين أخذوا عنه وتتلمذوا عليه، وفقهم الله، ولديهم صلاح في دينهم، وقد برز أقرانه في مادة الفرائض التي قل من يسبر عورها ويحل عويصها، وكان يرجع إليه في كثير من المسائل الفرضية التي قد تبلغ حد الإعجاز في صعوبتها ويتلقاها بصدر مملوء باليقين والاستعداد، حتى أنه بلغ به الأمر إلى أن تأتيه المسائل الفرضية من جهات بعيدة من خارج المملكة، ولا يزال الآن يعالج مهنة حل المسائل والإفتاء، وكان الرجل شغوفًا ومحبًا لمادة التاريخ، وله ذوق رفيع في مادة القواعد، وكان من صفاته التي يعتز بها كل تلميذ جثم على ركبتيه أمامه متعلمًا دماثة الخلق، ومتواضعًا في الأخلاق، وإخلاصًا في إيصال المعلومات إلى أذهان تلاميذه.
والجدير بالذكر أن المؤلف حفظه الله وأكثر من أمثاله رجل اجتماعي بطبعه يحب