ذكرنا ما جرى في روسيا وكيف أن الله لطف ولم ينتشر شرر تلك الفتن وأخمد الله تلك الثائرة، وإلا فلو استمرت لأخذت دورها في الشر والبلاء، ومن العجائب أن تلك الثورة الروسية لم يهلك فيها ضحايا إلا كعدد أصابع اليد، وإلا فقد ينتشر شرها بمحن بالغلاء وشدة المؤنة، وإذا كانت يوغسلافيا لما حدث فيها ذلك الانشقاق كثر سقوط ضحايا القتلى بين الصرب وكرواتيا، وعجزت الأمة عن تسكين تلك الفتن، قال الله تعالى:{وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[الأنعام: ١٢٩]، هذا من جهة، ومن جهة أخرى ما جرى ويجري من اليهود في فلسطين المحتلة وفي جنوب لبنان، ولقد بذلت الأمة جهود إجباره لوضع صلح بين الفلسطينيين وبين اليهود، ولكن اليهود لم يخضعوا لأحد من البشر، واستمرت المذابح بين شباب فلسطين في انتفاضتهم وبين العدو، ومما أدى إلى خراب فلسطين وكثر المهاجرين من اليهود إليها وإقامة مستوطنات لهم في فلسطين، وتهديد الأهالي تارةً تهدم المسجد الأقصى بعد إحراقه فيما مضى، وتارةً بالتهديد في هدم المسجد الإبراهيمي، وعجز المسلمون عن كف اليهود عن الإغارات على لبنان رغم ما بذل من الجهود في تسكين هذه الحركة اليهودية، ولقد حامت الأفكار بين مؤيد لياسر عرفات وبين من يرى بأن لا صلاح لفلسطين ولا لأهل فلسطين ما دام في الرئاسة، ولعل وجوده وظهور خيانته للعرب لمناصرته أعداء العرب أكبر دليل على عدم توفيقه وأن ما يجني من الأموال لمصالحه وإقامة قصور ومساكن له في البلاد الأخرى، وإنما اتخذ طريقته في استحصال الأموال باسم أهالي فلسطين وإنما يجمعها لنفسه، ولقد قام بزيارة لمصر في الأيام الأخيرة بعد هبوطه بالطائرة لم يسمح له بالخروج فيها، ولم يستقبل منها بل لبث تسعين دقيقة في طائرته ورجع مخذولًا إلى حيث أتى، ومن يتأمل كثرة تقلباته واستجابته للفتن وسعيه بالفساد، أما عن قصد أو غباوة في طبعه، علم أنه لا خير فيه، وقد يكون في توجيهاته أهالي فلسطين غاشًا لهم