ابنته على كتفيه ليلوذ بالفرار وهلكت زوجته تحت الأنقاض، وسقطت عليه وعلى ابنته قطعة فقضت عليهما معًا، وحمل رب أسرة وزوجته وأطفالها فجلسوا على البيت وهو يشاهدون البيت يهتز من الرياح، وقد انهارت عمارة بارتفاع أربعة عشر طابقًا، وكانت كومة من التراب، وهلك من فيها من السكان، وهذا ذهل عن زوجته، وهذا فرَّ وترك مسكنه، وتساقطت منارات أحد الجوامع وتهدمت مدارس، وقد توالت الهزات على القاهرة تارةً يشعر بها السكان وتارةً لا يشعرون.
ففي عشرة أيام مرت على القاهرة حوالي عشر هزات، وقد بعثت التبرعات والمساعدات، فمنها مائة مليون من المملكة السعودية، وثلاثون مليونًا من إمارات الخليج، وعشرون مليون من قطر، وعشرة ملايين من البحرين، وثلاثون مليون من ليبيا، وفي هذا دليل على ما يقدره الله تبارك وتعالى من النقص، فلأن كانت القنابل المدمرة والحروب الطاحنة التي أصابت الصومال والبوسنة والهرسك وبورما لم تصب مصر فقد جاءهم من أمر الله مالا يطاق وأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا، وكانت تلك العمارة الكبرى ذات أربعة عشر طابقًا تسمى عمارة الموت لكثرة من مات تحتها، ولما قاموا بالفؤوس والمعاول لإخراج الجثث لم تفد شيئًا لأنهم اجتنبوا الشولات إبقاء للهلكى، ثم استعملوها ضرورةً، وما زالت الزلازل والهزات تتوالى عليهم يومًا فيومًا، ومن بين هؤلاء الذين انتشلوا رجلًا بعد مضي أربع وعشرين ساعة، فوجدوه حيًا.
وفيها في شهر ربيع الثاني جرت مفاوضات بين حافظ الأسد ودولة إسرائيل بشأن الجولان، تطلب سوريا من إسرائيل الانسحاب من الجولان عن طريق السلم، ولكنها كلما توجهت الأمور للحل عرقلت إسرائيل حل المشكلة، ويظهر من السياسة أن إسرائيل تطلب من سوريا أن لا تتدخل في شأن اليهود، ومع أهالي فلسطين في فلسطين ولا في جنوب لبنان، بل إذا تخلت عن الجولان فإن سوريا تترك اليهود وأهالي فلسطين وأهالي لبنان وشأنهم.