للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على تلك المنطقة بحيث سقط من جرائها ثلاثة آلاف بيت في مدينة بريدة، وفرَّ الأهالي من منازلهم وأماكنهم إلى الفلاة، فكانت السماء غطاء الفقراء والأرض فراشهم لا يوجد من الخيام الا القليل، فكانت الأمة تحت السماء تصب عليهم، والأرض تفيض من تحتهم، ومنهم من كانوا تحت أظلة أسقفة زرائب الحيوانات من كثرة ما ينطوي تحت سقوفها واصطنعوا مساجد في الفضاء لما كانت مساجدهم لا تغني عنهم شيئًا، وأصبحوا معدمين إلا من رحمة الله ربهم، ثم عطف حكومتهم، فشهران سوى أيام قليلة لم تُرَ الشمس، ولما طلعت الشمس جعلوا يستبشرون بها، ولقد كنا نواسي المنكوبين من العرب والمسلمين لما توجبه العاطفة الإسلامية إذا أنكبوا هكذا، أفصحت إحدى الجرائد السعودية وباحت بما لديها، وقد تقدمت القصة مبسوطة في موضعها فعلى من أحب مراجعتها فليراجعها، نعم كنا نبذل المساعدات للمنكوبين حسب إرشاد حكومتنا وطلبها، كما بذلتا للجزائر في أزمتها وورطتها مع فرنسا، وكما بذلنا المساعدات لمصر في الحرب الثلاثية وغير ذلك مما توجبه العاطفة وتفرضه العادات التقليدية، وفي كلام الحكمة: ما تعاونت عليه الرجال خف، ومن عدم ظهيره، وقل نصيره، وخذله أعدائه، ولم تساعده إخوانه، وكثر أعدائه، وهذه حالة بني الزمان اليوم المعروف لا يشكر، والكبير لا يوقر، والصغير لا يرحم، وقد قلَّ العطف على الفقراء والمساكين من أهل الجدة والثروة، وهذا عكس ما كان عليه أسلافنا من الصحابة والتابعين لهم بإحسان بحيث لو سمع أحدهم بمصاب لقام يواسيه، وإن كان فقيرًا جعل يعطيه، ولو كان بعيدًا يهديه، وقد ذكرنا في بعض المناسبات أن أرملة ذكرت لوزير من الوزراء في أحد المساجد هي وأولادها جياعًا عراة معدمين، لا طعام لهم ولا شراب في ليلةٍ باردة شاتية، فأدركته الرحمة والعاطفة الإسلامية فبعث إليهم بما يصلحهم من طعام وفرش وكسوة وغيرها، ثم خلغ ثيابه وأقسم أن لا يلبسها حتى يأتيه الرسول فيخبره بما صنع، فلما رجع إليه وأخبره بأنه نفذ أوامره، وكان ينتفض من شدة البرد، وعاد إلى