للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان الشيخ محمد يسعى سعيًا حثيثًا إلى إصلاح المحاكم الشرعية وإصلاح الأوقاف وإصلاح المساجد، وكانت وسائل الشيخ في هذا الإصلاح متعددة، وربما كان من أقواها عنايته بتفسير القرآن التي كادت تستغرق كل مجهوده ودروسه في تفسير القرآن، كانت حاشدة يتوافد إليها الطلاب من كل ناحية، ومن أظهر أعماله الإصلاحية عمله على إصلاح الجامع الأزهر.

ولقد حاول الشيخ ذلك جهده المستميت واحتمل فيه أذى كثيرًا، ولكنه بقي يثابر ويكافح حتى ألجئ إلى الإستقالة من مجلس إدارة الأزهر اضطرارًا وأوصد في وجهه باب العمل على إصلاح الأزهر، فلقي من ذلك خيبة أمل ردته، أو كادت ترده يائسًا، ثم لم يلبث أن توفى على أثرها وسنذكر بعد ذلك سنة وفاته.

وكان يقول بعد استقالته من الأزهر يظنون أنني بخروجي من الأزهر تركته مرعى خصيبًا لشهواتهم ترتع حيث تشاء، ألا أنني ألقيت بين جوانب هذا المكان شعلة لا تنطفيء إن لم تلتهب اليوم أو غدًا فستلتهب في ثلاثين عامًا، وستكون ضرامًا.

وكان رحمه الله قاضيًا بالمحاكم الأهلية، ثم مفتيًا للديار المصرية، وتولى التدريس بالأزهر وإليه يرجع الفضل في إصلاحه، وهكذا يكون الرجال المخلصون في أعمالهم، ولقد كان الشيخ محمد عبده موضع الإعجاب بين رجال الدين المصريين، وتفتخر به الأمة المصرية التي يعيش في أكنافها ويظله سماء وطنها، وما زال يتقدم حتى بلغ صيته ما بلغ الليل والنهار، فرحمة الله على روحه وحيا الله رجال العلم والدين.

ولقد سمعت شيئًا من مؤلفاته المفيدة ودعواته السديدة وإصلاحاته الرشيدة، فرأيتها والله مثالًا في الإخلاص، وأكبر برهان على فضله ومقامه.

وفي هذه الفترة لا تزال المشاغبات والنزاع مستمرًا نتيجة الخلاف الذي جرى في المسائل الدينية بين الشيخ محمد بن عبد الله بن سليم وبين بعض المنتسبين إلى