فأول ذلك فتن آل سعود في منازعتهم الملك فيما بينهم، ثم قتل مهنا في بريدة والشيخ جالس يقرع أذنيه ذلك، ثم ولاية الأمير حسن وما فيها من اختلاف الدين وتشتت المسلمين، ثم واقعة المليداء وما فيها من الأهوال، ثم خروجه لمقابلة ابن رشيد في حال غضبه ومكابدة مرارة توبيخه، ثم بعد ذلك ولاية عبد العزيز بن متعب وواقعة الطرفية، وما جرى عليه بعدها، ثم واقعة البكيرية وترقب الأخطار والأهوال والشدائد، وكان قد جرى عليه من بعض الأمراء أن أوعز على قتله وإعدامه، غير أن الله حفظه ووقاه، وكان يكمن له في طريقه إلى المسجد كل ليلة من باع أخرته بحطام عاجلته يريد قتله بالسيف، فلما مضى عشر ليالٍ تقدم ذلك الشقي لقتله، وحينما رفع السيف يبست يده فصاح للشيخ يستغيث به، وجاء إليه ولم يعلم بحقيقة ما كان يبيته له من الكيد والمكر، فأخبره صراحًا بأنه جعل له جعل ودبر على قتله وإن الله أعجزه، وسأل الشيخ أن يدعو الله له فدعى له وشفي، وقام يسأل ويستفهم عن ذنبه الذي أوجب له ذلك، فما كان لأعدائه جواب سوى الخزي والعار، وماله ذنب إلى تحقيق التوحيد {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}[البروج: ٨] واستمر في تدريسه وإفتائه يرشد الجاهلين ويفيد الطالبين وينشر علمه بين العالمين.
ومما قال الشيخ صالح بن سالم يمتدحه في أبيات:
وجاء لنا نصرٌ من الله بعدما ... بدى الظن ظن السوء من كل ملحد
على يد مأمون السريرة من غدا ... يسمى بشيخ المسلمين محمد
أخو الحلم والتقوى مع العلم والحجي ... فلا زال يعلو ساميًا فوق فرقد
يقضي بدريس العلوم نهاره ... مجدًا ويحيي ليله بالتهجد
ويحمي حما الإسلام جهرًا وأهله ... إذا سامهم خسفًا شديد التوعد
أليس الذي قد قام لله وانتضا ... من العزم عضبًا في زمانٍ منكد
فقام قيام الليث في عزم باسلٍ ... يرى الموت فخرًا من حسام مهند
ولم يثنه في الله لومة لائم ... ولا وهنت منه القوى للتهدد
به أيد الله الهدى وانمح الردى ... وعاد العدى واهي ظهور وأعضد