ولما مات الشريف عبد الإله بعد تعيينه في إمارة مكة بقليل رأي الحسين حينئذٍ الفرصة سانحة فيجد جده وسعى عند المقربين من الباب العالي، حتى أشار بعضهم على السلطان عبد الحميد بتولية الحسين إمارة مكة وحسنها له ودفع بعض ما كان في نفس السلطان من سوء الظن والريبة، وبعد تردد ومعارضة في السلطان:"إني راضي بتعيينه أميرًا لمكة إذا اكتفى بذلك فقط، بل إني أعتقد أنه لا يكتفي بالإمارة فحسب بل يطمح لأكثر منها يهدد يومًا ما عرشي".
ثم أصدر فرمانه الشاهاني بتولية الحسين إمارة مكة على مضض في شوال سنة ١٣٢٦ هـ، وقد قال السلطان عقب تولية الحسين بن علي للإمارة:"لقد خرجت الحجاز من يدنا واستقل العرب وتشتت ملك آل عثمان بتعيين هذا الرجل لإمارة مكة وياليته يكتفي بإمارة مكة واستقلال العرب فقط، ولكنه سوف يعمل بدهائه لأن ينال مقام الخلافة العظمى لنفسه".
ولا يخفى ما في هذا القول من المبالغة، ويعد هذا من دهاء السلطان عبد الحميد الذي كأنه ينظر من خلال سيرة الحسين ومساعيه وما عرف من أخلاقه وميوله ما آل إليه أمر الحجاز وخروجه تحت إمارة الحسين على الدولة العثمانية وانضمامه إلى صفوف أعدائها الذين كانوا يعملون نهارًا وليلًا على تقويض بنائها وتشتيت شملها واقتسام أجزائها.
وقد ظهرت مطامع الحسين ونواياه بإزاء الدولة العثمانية واضحة جليه وجر على نفسه وعلى الحجاز، بل وعلى العالم الإسلامي بسياسته وبالًا كبيرًا، فإنه كان ذا آمال كبار ومطامع عظيمة وحلم بعيد المدى بالامبراطورية العربية ولكنه مع الأسف لم يكن يعرف الطريق الموصل إليها وإلى تحقيق مقاصدها، فلذا ضلَّ سبيل الرشد ووقع في الفخ الذي نصبته له دول الاستعمار ولكن كما قيل:
ستعلم حين ينكشف الغبار ... أخيلٌ تحت رِجلك أم حمار
وكان صدور فرمانه في ٦ شوال من هذه السنة، وكان كل صاحب مركز عظيم في الدولة العثمانية تصدر بتوليتهم هذه المراكز فرمانات وهي كلمة فارسية معناها عهد بالولاية.