فأما إذا أوقع بالدعوة الوهابية التي هي الهدى المحمدي، فلا حبًا ولا كرامة، وقبّحه الله ومقته وأقصاه، ويكفيك ما أوقعه الله به من الهوان كيف كشف عورته بيديه وأظهر عيوبه للناظر إليه، ولما جاء وفد الملك فؤاد الذي أشرنا إليه، كان قدوم الوفد في يوم الاثنين ٣ ربيع الأول للفصل بين المتنازعين والحكم بين الفريقين مزودًا بكلام رقيق وخطاب رشيق كانت فرصة نادرة لابن سعود، فهو يحترم فؤادًا ويجله ويقدّره ويحترم مصر ويعترف لها بالزعامة والتفرد في الثقافة والحضارة ولا يستطيع أن يزور عنه مهما كانت الظروف والأحوال، غير أنه إذا كانت الوساطة بينه وبين الأشراف فلا، ذلك بأنه قد حار به للدين، وطالما كان معهم في شقاء وعناء، فوقع في حيرة أيقبل الوساطة أم كيف لا يرضى بوساطة مصر فيكون فيه بعض الجفاء! ولكنه وكل الأمر إلى أحد رجاله الممتازين وهو حافظ وهبة مصري الأصل، ومن علماء الأزهر، فقام المذكور بهمته يعالج الأمور بالحكمة والرفق والأناة، وبعد مفاوضة الوفد لحافظ وهبة اتفق بالسلطان فأرضى فؤاد ورد وساطته وقفل الوفد راجعًا في صباح الاثنين ١٠/ ٣، وقد قنع بنزاهة ابن سعود وبعد نظره وشرف غايته.
ولم تمض على سفر وفد مصر بضعة أيام حتى وصل إلى جدة وفد إنكليزي مؤلف من "الجنرال جلبرت كلايتون" والخواجة جورج، المفتش الأول في أدرة معارف فلسطين، وتوفيق بك السويدي مندوب العراق ومستشاره، وكاتب إنكليزي هو "المستر هارفي" أحد الموظفين بحكومة فلسطين، فاستبشرت حكومة جدة ظنًا منها أنه جاء لحل المشكلة بعد مبارحته الحسين للعقبة كما تقتضيه وعود الأمير عبد الله، فسهلت له أمر السفر إلى السلطان ابن سعود وأملت من ورائه خيرًا، وقد بعث السلطان لاستقباله حافظ وهبة من النزلة اليمانية، فسافر إلى بحرة في ٢٢ ربيع الأول، وعند وصول الوفد إلى بحرة استقبله عظمة السلطان بما يليق به من الاحترام، فكان أول كلمة قالها المندوب: أن بريطانيا لا تزال محافظة على حيادها التام في المسألة الحجازية النجدية، ولكنه يهمها أن تتفاهم معه على بعض أمور تتعلق بالعراق وشرق الأردن المشمولتين بالانتداب البريطاني، فأعرب له السلطان عن استعداده البحث في هذه الأمور، واستمر البحث بينهم خمسة