وكان صاحب الجلالة الملك عبد العزيز مولعًا بها في حداثة سنة حتى فتحها عنوة فسكنها لأنها عاصمة أبائه وأجداده، وليس بينها وبين الدرعية إلا قريبًا من مسيرة ثلاث ساعات، وما زالت الرياض في ازدياد وتقدم حتى أصبحت قبلة الأماني ومحطة رحال الوافدين، وإن بلدًا يستقر بها الملك وتفد إليه فيها الوفود من مشارق الأرض ومغاربها، وينتابها القريب والبعيد والأحرار والعبيد لجديرة بأن تصبح موضع الإعجاب، وكانت الوفود تفد إليه فيها زرافات وأفواجًا، ويقصده من أعراب نجران وأعراب جلق، وما بين ذلك من الجهات أمم لا يحصيهم إلا الذي خلقهم، يأتون إلى تلك السدة الملكية؛ حتى أنه ليبلغ عدد الوافدين في اليوم الواحد عشرة آلاف أو يزيدون، وذلك في وقت الركوب الذي قدره ستة أشهر، ويبعث منها سيارات النقود والأرزاق والحلل، فتفرق على جميع الجهات ممن لم يقدموا، وهذه العاصمة القهارة من تجول فيها ورآها علم أن ملكها عادل في ملكه صالح في نفسه قد أصلح الله شأنه وجميع التجارة تجلب إليها كالإبل والبقر والأغنام، والحبوب والدهن والحطب والفحم والسيارات والمكيفات والقهوة والهيل والسكر والشاي وجميع الأقمشة فبذلك كانت زهرة البلاد في عصرنا هذا، وكان الملك عبد العزيز يعطي القاضي والداني، ولله حكمه في إيجاده بهذا العصر.
قال الشاعر محمد بن عبد الله بن عثيمين:
من مبلغ الصحب عني قول مبتجح ... بما يلاقي قرير القلب والعين
إني أويت من العليا على حرم ... قبل الإناخة بالبشرى يحييني
ينتابه الناس أفواجًا كأنهم ... جاؤوا لنسك على صهب العثانين
ترى الملوك قيامًا عند سدته ... وتنظر ابن سبيل وابن مسكين
ذا يطلب العفو من عقبى جريرته ... وذا يؤمل فضلًا غير ممنون
وقال أيضًا:
فالآن لما أقال الله عثرتنا ... في دولة المرتضى في القول والعمل