يَفُكُّه العبد، هذا المَلْحَظُ البالغُ الأهميةُ غاب عن فَطانةِ كلِّ مَن زَبَرَ "نَسَخ" سُطورًا في السيرة المحمدية المِعطار، سواءٌ من القُدامى والمُحدَثين من العرب والأعاجم والفرنج" (ص ٢٧٨ - ٢٧٩).
° "ومن ناحيةٍ أخرى فقد ذاق الحِرمانَ، وكابَدَ المَسْغَبة، وكَوَاهُ الفَقر، فلا يَسكنُ رَوعُه مِن هذا الجانب، ويُهدِّئُ بالَه، ويُطَمْئِنُ نفسَه، ويُرِيحُ خاطِرَه سوى أن يوضَعَ المالُ جميعُه بين يديه، ومن ناحيةٍ ثالثةٍ بهدفِ أن يُحكِمَ قبضةَ رِعايتها، وتشدَّ وَثاقَ عنايتِها له، وتُضاعِفَ من لَحظِها إياه، وجُمَّاعُ ذَيَّاكَ كلِّه يؤدِّي إلى سُهولةِ المطاوعة، وُيسرِ المهاوَدة، وسَلَسِ المُوافقة، ممَّا يُوصِّلُ في نهايةِ الأمرِ إلى نجاحِ التجربة" (ص ٣٠٩).
° "في ليالي مكةَ الطويلة، تُشمِّرُ أمُّ هندٍ عن ساعدها، وتجلسُ إلى ابنها وزوجِها "الأمين"، تقرأُ على مَهَلٍ، وتُطالعُ له بتؤُدةٍ صفحاتٍ من تلك الأبعاضِ والإِصحاحات، وتَشرحُها له بَقدْرِ ما تتَّسعُ ثقافتُها الدينيةُ التي حَصَّلَتْها، كلُّ هذا مع استمرارِه في المَشي في الأسواقِ والسماع والمُحاورَة؛ لأنَّ هذه شعيرةٌ أساسيةٌ قَنواتُها متباينةٌ ودائمةُ الفَيض، وإذا أُشكِلَ عليها أمرٌ، أو التَبَس عليها شأنٌ، أو أعجَزَتْها مسألةٌ هَرَعت إلى اليعسوب "ورقة" تستوضحُه ليفسِّرَ لها ما أُبهِم، وُيبيِّنَ لها ما غَمُض، وَيشرحَ ما خَفِيَ.
في تلك المدرسةِ أعطى اليعسوبُ خلاصةَ عِلمِه، وحَشاشةَ معارِفِه، وزُبْدَةَ تحصيلِه إلى "المعصوم" بحضورِ الطاهرة، وخديجة تُنصِتُ وتُلاحِظُ وتُشجِّعُ "بطل التجربة" على مَزيدٍ من التدقيق، ومضاعفةِ التمحيصِ، والإِكثارِ من المراجعة؛ لأنها لم تَكتفِ بإسْداءِ الفَضل الماديِّ (وهو إعفاؤه من لجري وراءَ لُقمةِ العَيش، وإطعامُه الخَمير، وإلباسُه الحرير)، بل