وهو حُجَّةٌ عند عياض وغيرِه ممن يَقبَلُ مُرسَلَ الثِّقة، وهو حُجَّةٌ إذا اعتُضِدَ عندَ من يرُدُّ المرسَل، وهو إنما يَعتضِدُ بكثرةِ المتابعات".
فقد سَلَّم الحافظُ بأن الحديثَ مُرْسَلٌ، ولكنْ ذَهَب إلى تقويتِه بكثرةِ الطُّرق، وسيأتي بيانُ ما فيه في رَدِّنا عليه قريبًا -إن شاء الله تعالى-.
فلو كان إسنادُ ابنِ مردويه الموصولُ صحيحًا عند الحافظ، لرَدَّ به على القاضي عياض، ولَمَا جَعَل عُمْدَتَه في الردِّ عليه هو كثرةَ الطُّرُق، وهذا بَيِّنٌ لا يَخفى.
الثالث: أن الحافظَ في كتابه "فتح الباري" لم يُشِرْ أدنى إشارةِ إلى هذه الطريق، فلو كان هو أصحَّ طُرقِ الحديث، لذكره بصريحِ العبارة، ولَجعله عُمْدَتَه في هذا الباب -كما سبق-.
الرابع: أنَّ مَن جاء بعدَه -كالسيوطي وغيره- لم يذكروا هذه الرواية.
فكلُّ هذه الأمورِ تَمنعُنا مِن حَمْلِ اسمِ الإشارة "هذا" على أقربِ مذكور، وتضطرُّنا إلى حَمْلِه على البعيد، وهو الطريقُ الذي قَبلَ هذا، وهو طريقُ سعيدِ بنِ جُبيرٍ المرسلُ؛ وهو الذي اعتَمَده الحافظُ في "الفتح" وجَعَله أصلاً، وجَعل الرواياتِ الأخرى شاهدةً له، وقد اقتَدَينا نحن به، فبدأنا أولاً بذِكرِ روايةِ ابنِ جُبيرٍ هذه، وإن كنَّا خالَفْناه في كونِ هذه الطرُقِ يُقوِّي بعضُها بعضًا.
قلت: هذا مع العلمِ أن القَدْرَ المذكورَ من إسنادِ ابنِ مردويه الموصولِ رجالُه ثقات رجالُ الشيخين، لكن لا بدَّ أن تكونَ العِلَّةُ فيمَن دونَ أبي عاصم النبيل، ويُقوِّي ذلك -أعني كونَ إسنادِه مُعَلًّا- أنني رأيتُ هذه الروايةَ