ويموتُ لا محالةَ، كما رَدَّدَ ما قاله أحدُ كُتَّاب التغريب من أنَّ الانحطاطَ الذي يَعيشُه المسلمون -في هذه الفترة- يَرجع إلى أسبابٍ متَّصلةٍ بالإسلام نفسه؛ لأنه لا يوافقُ رُوحَ التمدُّنِ، وهكذا يَتكشَّفُ في كتاباتِه جُمَّاع مُنَسَّقٌ لِمَا تُورِدُه حَمْلاتُ التشكيك التي لا يَرقي كُتَّابُها إلى مَقام العلماء، ونَقَد العلاَّمة "عبد العزيز جاويش" هذا الكتاب "محمد وظهور الإسلام" لـ"مرجليوث"، فقال: كتاب وَضَعه مستر "مرجليوث": ظهر هذا الكتابُ من نحوِ سبعةِ أعوامٍ، ونُفوسُ الإنجليز والأمريكيين تَرقُبُه لِمَا لذلك الرجل عندهم من المكانةِ العِلميَّةِ الرفيعة، ولا سيَّما وهو مشغوفٌ بدعوى أنه محيطٌ بأكثرِ لغاتِ العالم، فتراه يَدَّعَي العِلمَ بالإسبانيةِ والفِرنسيةِ والإيطالية والألمانيةِ والعَربيةِ والفارسية والعِبرانية، وقد كُنتُ إِبَّانَ ظُهورِ الكِتابِ في مدينة "أكسفورد" حيث المؤلّف، لَمَّا ذَكرتُ له رغبتي في شراءِ كتابه، وَعَد أن يُقدِّمَ لي منه نُسخةً، ثم جَعَل يتباطأ تارةً، ويتناسى أخرى، حتى مَلِلتُ وُعودَه، وظَننتُ أنه لا بد لهذا الكِتابِ مِن سرٍّ يُريدُ إخفاءَه عني، ولا سيَّما والمؤلفُ يَعلمُ أنني ضعيفُ الثقةِ بكثير من المستشرقين، سيئُ الظنِّ بهم، وقد كنتُ في الواقع كذلك، ولكنْ بعد أن خَبَرتُهم، وسَبَرْتُ غَوْرَ معلوماتِهم، وتَتبَّعتُ مَبلغَ كفاءتَهم، ولولا أنني وَجدتُ مِن بينهم أفذاذًا قليلينَ جدًّا، لَمَا اطمأنَّت نفسي إلى أحدٍ منهم، فلما حَصُلتُ على الكِتابِ وتصفَّحتُه ثم درستُه بابًا بابًا وكلمةً كلمةً، حتى جِئتُ على آخِرِه، فوجدتُه عند ظنِّي به، وجدتُه حارَبَ التاريخ كما حارَبَ الإنصافَ، وحَمَل على الرسولِ - صلى الله عليه وسلم - حَمْلاتٍ منكرةً، ويَظهرُ أن المؤلِّفَ توقَّع أنْ لا يَقَعَ كتابُه إلاَّ في أيدي البُلْهِ، ولا يَطَّلعُ عليه إلاَّ الأغرارُ، فلم يُبالِ أنْ جاء فيه بمُحدَثاتٍ لو أنه تَدبَّر لَمَا