أن الحكمةَ اللانهائية (المقصود إرادةُ الله سبحانه) قد قَضَت بهذا، أي بضرورةِ أن تَجثُمَ هذه الظُلْمةُ غيرُ المفهومة على دوافع الدَّعي (المقصود محمد - صلى الله عليه وسلم -) كي يتحقَّق هذا التدبيرُ الخاصُّ في ظهورِ هذا الضلالِ الكبير ورسوخِ قمَّةٍ في عالمَنا.
ففي غيابِ أسبابٍ بشريةٍ كافيةٍ لتفسيرِ هذه الظاهرة، لا بد أن نعترفَ بأن الله أراد هذا، أو بتعبيرٍ آخَرَ لا بد أن نعترفَ بأن الله تدخَّلَ ليَتمَّ هذا الأمرُ (انتشار الإسلام)، فالعقلُ والوحيُ -كلاهما- يُعلِّمانِنا أن نعترفَ بيَدِ الله سبحانه تُحرِّكُ الأحداثَ لعِقابِ المذنِبين، بصرفِ النظرِ عن القائمين على هذه الأحداث الذين لم يتحرَّكوا إلاَّ بأمرِ الله، والذين كانوا بمثابةِ يدِهِ الفاعِلة، وبصرفِ النظرِ عن الدوافعِ التي حرَّكتهم.
يقول الربُّ:"أهناك شرٌّ في المدينة وأكونُ أنا لستُ فاعلَه؟! " والشرُّ في هذه الآية (العبارة) يعني المعاناةَ وليس الخطيئة.
لا يمكنُنا أن نشكَّ في حقيقةِ أن ظهورَ الدينِ المحمديِّ (الإسلام) نَتَجَ عنه بلاءٌ بكنائسِ الشرقِ المرتدَّة (عن الدين المسيحي الصحيح)، لقد كان سَوطًا مرعبًا هَوَى عليها، بل وهَوَى على أجزاءٍ أخرى من المملكةِ المسيحية (المقصود العالم المسيحي)، فإذا لم نستبعدْ إرادةَ اللهِ وتدخله -على وِفقِ إرادته في شؤون خَلقِه-، لم يُجانِبْنا الصواب، فالبشرُ وُكلاءُ عنه سبحانه وَكالة معنويةً في تحقيقِ إرادته في تأديبِ العصاة (المقصود بالعصاة هنا الكنائس الشرقية على نحوٍ خاص كما يفيد السياق).
إن حياة محمدٍ وأفعالَه ودعوتَه إلى دينِ القرآن ليست سوى حَلْقةٍ في سلسلةِ الثورات السياسية، إلاَّ أنها في حَجمها وأهميَّتِها لا تَقِلُّ عن الثورات