على وَضع نصٍّ كهذا؟ (التساؤل هنا يعني: كهذا النص الراقي)، هذا الوحيُ المدَّعى بادعائه استقلاليَّتِه عن كُتبنا المقدسة، يضمُّ رَغمَ هذا -فقراتٍ (آيات) أرقى كثيرًا من أيِّ بقايا أدبيةٍ تعودُ للقرن السابع -سواءٌ كانت يهوديةً أو مسيحيةً، فهذه الآثارُ الأدبيةُ أدنى كثيرًا بلا شك من محتوياتِ ذلك الكتابِ المقدَّس الذي يَفترض القرآن -مجدِّفًا- أنه يشبهه ويكمله، وعلى هذا فستظلُّ مسألةُ حقيقةِ القرآن مسألةً لا حلَّ لها إلى الأبد، فليس لدينا أدلةٌ حاسمةٌ على تاريخ "وضع" القرآن، ولا نعرف إلى أيِّ مدًى كان محمدٌ عارفًا بالكُتب المسيحية المقدسة.
وليس من السهلِ ترجمةُ القرآن، وبالنسبة للذين تعرَّفوا عليه في لُغته الأصلية، فهناك اعترافٌ عالمي بأنه -أي القرآن- يتَّسمُ بامتيازٍ لا حدَّ له لدرجةِ أنه لا يمكنُ ترجمتُه لأيةِ لغةِ أخرى، إنه -أي القرآن- نموذج يحتذيه اللسانُ العربي، إنه مكتوبٌ في مُعظَمه بأسلوبٍ نقيٍّ أنيقٍ، تَكثُرُ فيه الشخصياتُ الجرئيةُ على النسقِ الشرقيِّ، ويَجْنَحُ إلى الإيجاز مما يؤدِّي به -غالبَا- إلى الغموض، ورَغمَ أنه مكتوبٌ بالنثر، إلاَّ أن آياتِه عادةً ما تنتهي بسجعٍ (كأنه قافية)، وقد تتباعدُ القوافي مما يؤدِّي إلى تداخُل المعاني، وإلى تكرارِ لا مبرِّرَ له .. وخصائصُ النص القرآني -برغم استعصائه على الترجمة- تحظى بتقديرٍ يفوقُ الوصفَ لدى العرب الذين أَلِفَتْ آذانُهم إيقاعَه وتكوينَ فِقراتِه وكيفيةَ انتهاء آياته.
وإذا ما انتقلنا من مجردِ الصوت إلى طريقةِ الأداء التي تَسم "الكتاب الثاقب أو الحاد ذهنه The perspicuous book" وجدنا من الثابت أن أجملَ آياتِه هي تلك التي لا تتسمُ بالأصالة (ربما يقصد: غير المستقاة من الكتب