لقد لاحظَتُ أن الذين يُزْرُون على جَنَّةِ القرآن هم من أشدِّ الناس طلبًا للدنيا وتطلُّعًا إليها وانخراطًا فيها وسُعارًا محمومًا خَلفَ لذائذِها، ومنهم هؤلاء المُبشِّرون الذين كانوا ولا يزالون يُمثِّلون طلائعَ الاستعمارِ والاحتلالِ الغربيِّ لبلادنا وبلادِ كلِّ الشعوبِ المستضعَفة، ذلك الاستعمارُ الذي يريدُ أن يستمتعَ بطيباتِ الحياة دونَنا، ويتركُ لنا الجوعَ والفقرَ والجهلَ والمرضَ والقذارةَ والذِّلَّةَ والتخلُّفَ والشقاءَ! أليس مُضحِكًا أن يأتيَ هؤلاء بالذات ليُظْهِروا النفورَ من تلك اللذائذ؟ فمَن هم إذن يا تُرَى الذين سُعروا بحبِّ الجِنسِ على النحوِ الذي نَعرفُه في بلادِ الغرب واقعًا مَعِيشًا، وأدبًا مكتوبًا، ولَوحاتٍ مصوَّرَةً، وأفلامًا عاريةً، ومسرحياتٍ عاهرة؟.
أفإن جاء الرسولُ الكريم - صلى الله عليه وسلم - وقال لنا: إنكم ستستمتعون بهذه الطيباتِ في الجنة، لكنْ مصفَّاةً مما يَحُفُّها هنا على الأرض من أكدارٍ وشوائب، ومصحوبةً بالمحبة بين أهلِ الجنةِ، ومشاهدتِهم لوجهِ ربِّهم العظيم ذِي الجلال والإكرام، وتمتُّعِهم بالرضا الإلهي السامي عنهم، وانتشائِهم بالتسبيحات الملائكية حولَهم، نَلْوِي عنه عطْفنا، ونشمخُ بأنوفِنا، ونُبْدِي التأففَ والتنطُّس؟ إنَّ هذا -وَايْم الحق- لَنِفاقٌ أثيم!.
سنسمعُ هؤلاءِ المنافقين المنغمِسين في شهواتِ الجسدِ يتحدَّثون بتأفُّفٍ عن هذه اللذائذِ التي لا تَليقُ في نظرِهم ببني الإنسان، وهم الذين يمارِسون اللِّواطَ والسِّحاق مما يَنزِلُ بهذا الجسدِ وصاحبهِ أسفلَ سافلين.
وها هو السيدُ المسيحُ عليه السلام نفسُه في الفقراتِ التي سَبقت جوابَه على سؤال اليهود، حين أراد أن يُوضِّحَ ملكوتَ السماوات، وهو ما يُقابلُ الجنةَ عندنا، ضَرَبَ لمستمعيه مثلاً مِن عُرْسٍ أقامه أحدُ الملوك لابنه أَوْلَمَ فيه وليمةً