للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُدِّمتْ فيها الذبائحُ والمسمَّنات، وحَضرها المدعوُّون وقد لَبِسوا الحُلَلَ التي تَليقُ بهذه المناسبةِ السعيدة، فعلامَ يدلُّ هذا؟ وهل يَختلفُ يا تُرى عما نقولُه نحن عن الجنة؟ أَوَلَمْ يَقُلْ (مرقس: ١٤: ٢٥، ولوقا: ٢٢: ١٨): "إنه سيشربُ عصيرَ الكَرْمة في ملكوتِ الله جديدًا"، أي على نحوٍ آخَرَ غيرِ ما كان عليه في الدنيا، وهو ما يقولُه الإسلام؟ أو لم يقلْ لتلاميذِه: إنهم سيأكلون ويشربون معه على مائدته في الملكوت (لوقا: ٢٢: ٢٩ - ٣٠)؟ فما الفرقُ بين الشرابِ والطعامِ وبين الجنس؟ أليست كلُّها مُتَعًا من مُتَعِ هذه الدنيا التي تتأفَّفون منها نُفاقًا ورياءً، وأنتم غارقون فيها إلى أذقانكم؟.

ثم أين كان آدمُ وحَوَّاءُ في بَدءِ أمرهما؟ ألم يكونَا في الجنةِ؟ فماذا كانا يفعلانِ هناك؟ يقول "كتابكم المقدس": "إن هذه الجنةَ كان فيها أشجارٌ حسنةُ المنظرِ طَيبةُ المأكل، وإن الرجلَ يَتركُ أباه وأمه ويَلزمُ امرأتَه فيصيرانِ جسدًا واحدًا، وإن آدمَ وزوجَه كانا عُرْيانَينِ لا يشعُرانِ بخجل، وإن الله قد ضَمِن لهما الخلودَ فيها .. " إلخ (تكوين: ٢: ٨ - ٩، ٢٤).

فما معنى كلِّ هذا؟ وماذا كان أبوانا الأوَّلان يعملانِ في الجنة؟ أكانا يكتفيانِ بتمضيةِ وقتهما في التأملات الروحانيةِ واضعَيْنِ أيديَهما على خُدودهما ليلاً ونهارًا؟ كذلك يتحدَّثُ "بولس" في رسالته الأولى لأهل كورنتس (١٥: ٣٥ فصاعدًا) عن "الأجساد الأخروية" التي لا تَعرفُ الفسادَ ولا التحلُّلَ، والتي يُسمِّيها أيضًا بـ "الأجساد السماوية" و"الأجساد الروحانية"، وفي السِّفْر المسمَّى بـ "رؤيا القديس يوحنا" وَصْفٌ مفضَّلٌ لكثيرٍ من مُتَعِ الفردوسِ وعَذاباتِ الجحيم، وكلُّها ماديةٌ كالمُتع والعذاباتِ التي نَعرفُها في دنيانا هذه، مع التنبيهِ بين الحين والحين إلى أن كلَّ شيءٍ من هذه

<<  <  ج: ص:  >  >>