اليوناني، وهو مذهبٌ يَظهرُ دائمًا في عصور الانحلال، وفي البيئاتِ المُنحلَّة، ولا وجودَ له في عصورِ الجِدِّ، ولا في البيئاتِ الجادة، ذلك أن المجتمعاتِ الناهضةَ الجادةَ، لا تُبيحُ لأفرادِها أن يَتشبَّهوا بالكلاب -حينما تلهُو الكلاب- في الجَري وراءَ أذنابِها ليُمسِكوا بها.
فالوجوديةُ إذن اختراعُ إبليس، لإخراج طائفةٍ من البشرِ عن نطاقِ السجود لله، إلى نطاقِ السجود للأهواء.
ذلك أن الفلسفةَ العقليةَ -مهما حاولَ المتفلسفون تزييفَ أهدافِها وتزيينَ غاياتها-: ليست إلاَّ محاولةَ تحكيم العقل فيما أتى به الوحيُ.
وهي -من غيرِ ما رَيبٍ- تريدُ أن تَخترعَ عقليًّا ما فَرغَ منه الوحيُ في قضاياه ومبادئه، إنها تريدُ ابتداعَ دينٍ عقليٍّ بجوارِ الدينِ الإلهي، وهذا الدينُ العقليُّ يختلفُ من فيسلوفٍ إلى آخر، وهو مِن أجل ذلك: يختلفُ في هذه القضيةِ أو تلك مع الدين الإلهيِّ.
فإذا كانت البيئةُ متشبِّعةً بالدين الإلهيِّ، يَغمُرُ قلبَها الإيمانُ، وتَغمُرُ وِجدانَها الهداية، حاوَلَ المتفلسفون -في طريقةٍ إبليسية- أن يُوفِّقوا بين الدينِ والفلسفة.
ومعنى هذا: أنهم يَجعلون موقفَ اخترعاتِهم العقليةِ بالنسبة للدين، موقفَ الندِّ للند، فيحاوِلون التوفيق، فيُخطِئُهم التوفيق فيما يأتون وما يَدَعُون، ذلك أنهم -قلوبُهم وأفئدتُهم- هواءٌ.
وإذا كان الاتفاقُ بينهم لم يَتمَّ، فإن التوفيقَ بين أهوائِهم وظنونِهم،