للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتُثبت حسبما تقتضيه الأهواءُ والنزعات.

والمدرسةُ العقليةُ في الدين -أيًّا كانت، وفي أيِّ مكانٍ وُجدت، وفي أي زمانٍ نشأت- لم تَسجدْ لله سجودَ خضوعٍ واذعان، وإنما سَجدت للعقل، وعَبَدت العقلَ، فتفرَّقت إلى ما لا يكادُ يُحصى من الفِرَق، {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: ١١٥] ".

وسبيلُ المؤمنين إنما هو السجودُ لله وحده، وذلك أيضًا سبيلُ الراسخين في العلم، إذ الراسخون في العلم هم دائمًا مؤمنون ساجدون لأمرِ الله، وإليهمِ تُشيرُ الآية الكريمة {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر: ٩].

ومن البديهيِّ أن المؤمنَ الحقيقيَّ هو وإبليسُ على طَرَفَي نقيضٍ، وَيرسُمُ اللهُ سبحانه وتعالى صورةَ المؤمن، فيُبيِّنُ تعارضَها مع كلِّ الصورِ الإبليسيةِ على تفرُّقها واختلافِها، ويُبيِّنُ جزاءَ المؤمنين عنده فيقول سبحانه: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (١٥) تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (١٦) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: ١٥ - ١٧] " (١) اهـ.


(١) "الإسلام والعقل" (ص ٣٨ - ٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>